] خالد منصور... القائد مذ عرف عدوه و«الجهاد» التي أرّقت العدو: هذا ما فعلته في الضفة - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الاثنين 8 آب (أغسطس) 2022

خالد منصور... القائد مذ عرف عدوه و«الجهاد» التي أرّقت العدو: هذا ما فعلته في الضفة

يوسف فارس
الاثنين 8 آب (أغسطس) 2022

غزة | يقدّم اللقاء بواحد من الجنود الذين يقودهم خالد منصور بشكل مباشر، تصوّراً مقارباً عن شخصية القائد التاريخي الملهم؛ فهم يحاكونه تماماً، في أسلوب الحديث، والاهتمام بالرياضة وبناء الجسم؛ في الآراء السياسية، والعقلية العسكرية، حتى إنهم يخلّلون كلامهم كثيراً من الأقوال التي يكرّرها، مِن مِثل: «إسرائيل قادرة بسلوكها الهمجي على أن تحوّل شعباً كاملاً إلى قنابل».

يمتلك ابن مدينة رفح، كاريزما قيادية خاصة؛ فإلى جانب ذكائه الحادّ وعقليّته الأمنية التي حافظ بفضلها على قيادته للعمل العسكري لأكثر من 25 عاماً، فهو الأكثر قرباً إلى القواعد العسكرية والجنود، يعرفهم بأسمائهم، ويناديهم بأحبّ الألقاب إليهم. يقول أحد رفاقه: «كان أبو راغب دقيقاً في علاقاته الإنسانية، دقيقاً في انتقاء الألقاب والأسماء التي ينادي بها الجنود، حتى إنه يتحرّى على نحو أمني عن أحبّ أسمائنا إلينا، ويفاجئنا في ذات مجلس أمام الجمع، بأنْ يخاطبنا بأحبّ وأطرف الألقاب».

ووفقاً لموقع الإعلام الحربي التابع لـ«سرايا القدس»، فقد انتمى منصور إلى «الجهاد الإسلامي» منذ نعومة أظفاره، وشارك في تنفيذ عمليات جهادية منذ عام 1987، عبر الانتماء إلى التشكيلات العسكرية المتعاقبة التابعة للحركة، إلى أن لمع نجمه مع اندلاع «انتفاضة الأقصى» عام 2000، من خلال دوره الفاعل في تأسيس «سرايا القدس»، حيث كان العقل المدبّر لسلسلة عمليات فدائية كبيرة ضدّ أهداف إسرائيلية. كما تولّى قيادة الوحدة الصاروخية العامة طوال سنوات، قبل أن يقود لواء الجنوب - أكبر ألوية «سرايا القدس» العسكرية - الذي يضمّ مدينتَي رفح وخانيونس.

غير أن ما هو أكثر تشويقاً في شخصية «قائد لواء الجنوب»، هو تَقدّمه الجنود في المحطّات الصعبة؛ إذ يَذكر رفيقه أبو إبراهيم، أن منصور دعا كلّ جنود «الوحدة الصاروخية» التي كان يقودها سابقاً، إلى المشاركة في تدريب تنشيطي، وكان عليهم أن يقطعوا المسافة من بيت حانون حتى مدينة خانيونس هرولة على الأقدام من دون توقّف. ويضيف: «نحن نتحدّث عن مسافة تتجاوز الـ30 كيلومتراً، استعددنا لأيام لنتجاوز هذا التدريب القاسي، وفي مساء ذلك اليوم، فوجئنا بأن أبو راغب يتقدّم صفوف الجنود، ويشارك معنا حتى النهاية».
وضعت إسرائيل أبو راغب (47 عاماً) على قائمة أبرز المطلوبين، وقد هدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، بنيامين نتنياهو، بقتله عقب اتّهامه بمقتل ثلاثة مستوطنين خلال قصف لمدينة عسقلان عام 2019. غير أن حضوره في المشهد المقاوم يمتدّ طوال ثلاثين عاماً؛ فقد انتمى إلى الذراع العسكرية الأولى لـ«الجهاد»، «سيف الإسلام»، عام 1988، ثمّ انتقل مطلع التسعينيات إلى الجناح العسكري الثاني الذي عُرف باسم «القوى الإسلامية المجاهدة - قسم». وفي عام 1994، شارك بشكل شخصي في تنفيذ عملية فدائية أدّت إلى مقتل جنديَّين إسرائيليَّين. كما تفيد مواقع عبرية بأن منصور كان المسؤول عن قتل الضابط براتبة «رائد» في قوات النخبة »غولاني»، إليراز بيرتس، عام 2010 عقب توغّله مسافة 200 متر في الأراضي الحدودية المحاذية لـ«كيبوتس نيريم».

عُرف منصور بحبّه للرياضة، ولا سيما رياضة «كمال الأجسام» التي برع فيها، وحصل على ميداليات ذهبية عدّة، وفاز ببطولة فلسطين مرّتين في هذه اللعبة عامَي 1996 و1997. نجا أبو راغب من محاولات اغتيال عدّة، أبرزها في حرب عام 2014، كما دمّر الاحتلال منزله عدّة مرّات. وفي مساء أول من أمس، نجحت إسرائيل أخيراً في اغتياله في عملية مشتركة شارك فيها كلّ من الجيش وجهاز المخابرات العامة «الشاباك»، واستهدفت عمارة سكنية كان يتواجد فيها برفقة الشهيدَين زياد المدلل ورأفت شيخ العيد، إلى جانب ثلاثة مدنيين آخرين. ووصفت «سرايا القدس»، في بيان النعي، منصور، بـ«الشهيد الكبير قائد المنطقة الجنوبية فيها». وأضافت: «خالد منصور صاحب التاريخ المشرّف، والحافل بالجهاد والتضحية، وبالثبات والفداء والعمليات النوعية والجهادية، ذلك القائد الذي شارك في كلّ محطّات العمل والبناء والتأسيس، ليلتحق بأخيه وصاحبه في مسيرة الجهاد الشهيد الشيخ تيسير الجعبري».

بدا لافتاً، منذ اللحظة الأولى للعدوان، أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية جنّدت كل مكوّناتها العسكرية والسياسية والإعلامية لاجتثاث حركة «الجهاد الإسلامي» تحديداً، بعدما أصبحت، في الأعوام الأخيرة، عقبةً تعترض المخطّطات الإسرائيلية في الملعب الأكثر أهميّة لدولة الاحتلال: الضفة الغربية المحتلّة، التي تسمّيها إسرائيل - في أدبياتها - «يهودا والسامرة»، في إشارة إلى أنها جزء لا يمكن القفز عن أهميته في المشروع الاحتلالي كله.

بالعودة إلى الوراء قليلاً، سيتبيّن أن «الجهاد»، منذ انتهاء معركة «سيف القدس» عام 2021، وما بعد عملية الهروب من سجن جلبوع في العام ذاته، أعادت عقارب الساعة في ساحة الضفة إلى أكثر من 15 عاماً إلى الوراء. ونجحت - في وقت قياسي - في إخراج المشهد المقاوِم بكلّه من حالة الإحباط، عبر إعادة بناء المجموعات العسكرية المقاتلة، التي تمدَّدت سريعاً، من جنين إلى طولكرم فنابلس، ثم طوباس، فيما تستعدّ مناطق أخرى للانخراط. وعلى رغم بساطة الفعل المقاوم حالياً، الذي يبدو محصوراً في جوانب الاشتباك الميداني والمشاغلة، إلّا أن الخطر الذي تخشاه إسرائيل هو إعادة استنهاض، ليس خلايا حركة «حماس» العسكرية التي تحاول ذلك بطبيعة الحال، إنّما دفع مكوّن حسّاس مثل «كتائب شهداء الأقصى»، الذراع العسكرية لحركة «فتح»، وحتى الأجهزة الأمنية، للانخراط في الاشتباك، إذ نفّذ خالد حجير، وهو أحد عناصرها، هجوماً، نهاية الشهر الماضي، على حاجز احتلالي بمساندة مجموعة من رفاقه. يشكّل ذلك، ليس ضربة لقطاعات جيش الاحتلال - ولا سيما «الشاباك» - فحسب، وإنّما تقويضاً للجهود الأميركية التي أنفقت عليها الإدارات المتعاقبة مليارات الدولارات، وأوفدت لأجلها الجنرال كيث دايتون، الذي نجح منذ عام 2007، حتى وقت قريب، في نزع سلاح المجموعات العسكرية التابعة لـ«فتح»، عبر مصالحات مع الاحتلال، فضلاً عن تغيير عقيدة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ونقلها من المربّع الوطني الذي طُبعت به عقب مشاركة قادتها الفاعلة في انتفاضة الأقصى عام 2000، إلى أجهزة عسكرية مهنيّة، منزوعة من السياق المقاوم، تقوم بدور التنسيق الأمني بلا أيّ حرج ومواربة، وتؤدّي دوراً مشبوهاً في مكافحة تمدُّد المقاومة والقضاء على مجموعاتها، بذريعة الخشية من تكرار سيناريو طرد السلطة من غزة.

لماذا «الجهاد»؟ يجيب مصدر في الحركة بأن الضغوط التي تمارسها إسرائيل عبر الوسطاء الدوليين والإقليمين، لم تنجح، منذ عام 2018، في دفعها إلى أن تأخذ منحى «معتدلاً»، إذ ينتهج الأمين العام الحالي للحركة، زياد النخالة، موقفاً جذرياً من إدارة الصراع، «هو يريد أن يعيد المقاومة إلى سابق عهدها، بمعنى أن يحافظ على حالة الاستنزاف المستمرّ للاحتلال، وعدم السماح بأن يشعر المستوطنون بحالة استقرار، بمعزل عن كل الحسابات المحلية في غزة أو الضفة، التي تعقّد السير في هكذا توجه»، بحسب المصدر، الذي يقول أيضاً إنه «في عام 2019 اغتالت إسرائيل بهاء أبو العطا، لأنه كان يمثّل، وفق مزاعمها، ذراع أبو طارق النخالة في القطاع، التي قوّضت بشكل مستمرّ حالة الهدوء، حتى إن النخالة بذاته وُضع على رأس قائمة الاستهداف والاغتيال».

استطاعت إسرائيل، في هذه الجولة، اغتيال كل من القادة: تيسير الجعبري وخالد منصور، إلى جانب عدد من المقاومين أصحاب الرتب العسكرية الميدانية، مثل رأفت شيخ العيد، وهو مسؤول الوحدة الصاروخية في المنطقة الجنوبية، غير أن الساعات الأخيرة من يوم أمس الأحد، شهدت أداءً قتالياً مميّزاً لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي») التي قصفت أكثر من 58 مستوطنة محاذية للقطاع بقرابة 200 صاروخ بشكل متزامن، بمجموع تجاوز حتى كتابة هذه السطور، هامش الـ 700 صاروخ.

هذا الأداء يرى فيه المحلّل السياسي إسماعيل محمد، رسالةَ اقتدار وتقويض للأهداف الإسرائيلية من عملية الغدر. ويقول، في حديثه إلى «الأخبار»، إن «الجهاد الإسلامي أثبتت، طوال سنوات الصراع، قدرتها على ترميم صفوفها وإعادة بناء كوادرها البشرية من جديد، لأنها ببساطة حركة تستقطب كل الثائرين الوطنيين الذين يرَون في المقاومة الخيار المنجز الأكثر قدرة على تحقيق الأهداف الوطنية. لذا، فإن ثمة خزّاناً بشرياً هائلاً على استعداد دائم للانضمام إلى صفوف السرايا، فضلاً عن أن السرايا تدعم بشكل غير مباشر العناصر الفتحاوية المقاومة». ويذكر محمد أنه، في عام 2007، اغتالت إسرائيل خلال ليلة واحدة، نحو تسعة قادة فاعلين في «سرايا القدس»، كان أبرزهم القائد العام ماجد الحرازين، غير أنها أعادت، في أعقاب ذلك، تنظيم صفوفها وملء الشواغر في المناصب القيادية على نحو ديناميكي سريع، وبدت في معارك لاحقة كأنها لم تُمْنَ بأيّ خسائر نوعية.
وعلى رغم الخسارة الكبيرة في هذه الجولة، إلّا أن مصادر في «سرايا القدس» أكدت، لـ«الأخبار»، أن ثمّة مستويات قيادية ذات تاريخ عريق ومهارة عسكرية تؤهّلها لملء الفراغ على نحو منجز، لافتةً إلى أنه فيما لو اتّجهت الأمور إلى تهدئة في الساعات المقبلة، فإن «السرايا» لن تغلق الحساب، وستتحيّن الفرصة في وقت قريب، للبدء بجولة جديدة، لكن في التوقيت الذي تمتلك فيه زمام المبادرة، وتحقّق فيه عامل المفاجأة.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

37 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 34

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28