] ما الذي تغيّر في هويّة «حماس»؟ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الاثنين 8 أيار (مايو) 2017

ما الذي تغيّر في هويّة «حماس»؟

محمود الريماوي
الاثنين 8 أيار (مايو) 2017

الوثيقة التي أعلنتها حركة حماس في مطلع مايو/أيار الجاري لم تحمل مفاجآت كبيرة، سوى أنها باتت تستخدم لغة ذات صيغ وديباجات ومفردات أقرب إلى تلك التي تستخدمها الفصائل الرئيسية في العمل الوطني الفلسطيني، وذلك بديلاً عن لغة جهادية سابقة. والوثيقة بالتالي هي أقرب إلى الميثاق الوطني الفلسطيني، الذي كان معمولاً به، منذ إنشاء منظمة التحرير عام 1964، وإلى عشر سنوات لاحقة على ذلك التاريخ، مع إضافة الصفة أو الهوية الدينية التي تميزت بها الحركة منذ نشأتها، والتي واظبت على الالتزام بها في الوثيقة الجديدة محتفظة بمسماها «حركة المقاومة الإسلامية». وبذلك احتفظت بطابعها الديني من دون أي تغيير، وبغير التفات إلى ما يُفترض أنه يمثل خصوصيةً لها، كحركة وطنية فلسطينية، خلافاً لحركات مقاومة إسلامية تنتمي لبلدان أخرى وشعوب مختلفة. ولئن كانت الحركة قد التفتت إلى ذلك في تعريف هويتها، إلّا أنها احتفظت من خلال هذا التعريف بمرجعيتها الدينية، وحيث ورد في النص الكامل للفقرة «حركة المقاومة الإسلامية «حماس» هي حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، مرجعيتها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها السامية».
إنه من الطبيعي والمنطقي والواجب أن يجري احترام العقيدة الدينية التي يعتنقها أغلبية شعب فلسطين، غير أن حركات التحرر، وإن كانت تتوافر بداهة على إجلال المعتقد الديني، إلا أنها بحكم وظيفتها وأهدافها تتجه نحو إبراز ما هو وطني وتحرري، مُرجئة تحديد هوية الكيان الوطني إلى ما بعد إنجاز الاستقلال، ذلك أن حركةً إسلامية سوف تسعى بداهة إلى إنشاء دولة إسلامية. وحتى مع المحاججة بأن لكل تيار وطني الحق في اعتناق الأيديولوجية التي يرتئيها، إلا أنه مع الإقرار بالصواب المبدئي لذلك في إطار التعددية المشروعة، إلا أن حركات التحرر تسعى عموماً إلى مخاطبة مواطنيها الذين يتعرضون إلى العسف في الداخل والتشرد في المنافي، على قاعدة المواطنة والأخوة الوطنية، بغير تصنيف أو منطلق ديني. وإذا كانت القدس على سبيل المثال هي جوهرة مدن فلسطين وأيقونتها، فكيف يمكن على سبيل المثال تجاهل الطابع الإسلامي المسيحي المشترك لعاصمة فلسطين المستقبلية؟
وكيف يمكن تجاهل أنه في الوقت الذي يحتضن فيه بيت المقدس المسجد الأقصى المبارك وما يتبعه من زوايا إسلامية، ومسجد عمر، فإنه يضم كنيسة القيامة ذات الشأن الكبير والاعتبار الوازن لدى الفلسطينيين المسيحيين، هذا علاوة على أن فلسطين هي مهد الديانة المسيحية بالنظر إلى مدينة بيت لحم التي تضم كنسية المهد، ومدينة الناصرة التي تضم كنيسة البشارة، ثم نهر الأردن من جانبه الفلسطيني الذي يضمّ المغطس الذي تعمّد فيه السيد المسيح؟ وما القول في قطاعات عريضة (بلا عدد!) من النخب الفلسطينية في الوطن، وفي الشتات ذات المنزع العلماني، أليس هؤلاء شركاء في المشروع الوطني؟ وكيف يمكن لحركة مقاومة ذات طابع ديني حصري، مخاطبة التنوع الديني والتعدد الثقافي والاجتماعي، والتعامل معه بنزاهة وأريحية وطنية، من أجل استنهاض جميع الطاقات وحشدها في مواجهة دولة البغي والاحتلال؟
لقد التفتت الوثيقة الجديدة لحركة حماس إلى طبيعة الصراع باعتباره صراعاً مع الصهيونية، وليس مع اليهود كأتباع دين سماوي، وهذا أمر جيد، وكان من الواجب الالتفات إليه في وقت أبكر، إذ إنه يرتقي إلى مرتبة البديهيات والمسَلّمات الوطنية، وكان من الذكاء القول إن الدولة الصهيونية هي من يضفي على الصراع طابعاً دينياً عقائدياً، بدليل مطالبتها غير المشروعة بالاعتراف بها ك«دولة يهودية»، غير أن هذا الأمر بالذات كان يتعين أن تقدّم الحركة «نفسها» به إلى الجمهور الوطني العريض صاحب العلاقة، وليس إلى الطرف المحتل فقط. فلا يستقيم أن تقدم الحركة نفسها إلى جمهورها ومواطنيها بعنوان ديني وبمرجعية دينية، بينما تشدد في الوقت ذاته على أن صراعها مع المحتل والغاصب ليس صراعاً دينياً بل هو صراع سياسي وطني.. لقد تقدمت الحركة خطوة إلى الأمام، وما زالت بحاجة إلى بلورة هويتها وخصوصيتها، بما يتناسب على الأقل مع التوجّه الأساسي لمنظمة التحرير، التي تقول الحركة إنها تجد نفسها جزءاً منها وليس خارجها.
بقيت الإشارة في هذا المعرض إلى أن الحركة أحسنت صنعاً بالنأي بالنفس عن أي ارتباط بمجموعات أو جماعات أخرى فلسطينية أو عربية، والمقصود جماعة الإخوان المسلمين. فمن الطبيعي أن تكون المنظمات الفلسطينية مستقلة، وتتفرغ لمهامها الوطنية الأساسية بغير ارتباطات خارجية، باستثناء الروابط في الأهداف والتطلعات إلى البيئة القومية الكبيرة، ومع مناصري الحق والعدل والحرية فعلاً وقولاً في شتى بقاع الأرض.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2329361

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 24

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28