] نُذر بلير…و”المصالحة التاريخية”! - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 1 نيسان (أبريل) 2017

نُذر بلير…و”المصالحة التاريخية”!

عبداللطيف مهنا
السبت 1 نيسان (أبريل) 2017

لطالما كانت مواقف وتحرُّكات توني بلير تشكل نذير شؤم في كل ما يتعلق بقضايا أمتنا والمنطقة. لنذكِّر فقط بدوره الشهير في حبك الأكاذيب لنسج الذرائع لغزو العراق وتدميره وإيصاله إلى راهنه الفجائعي، ونشير فحسب لجهوده المتصهينة لاحقًا، أي بعد مغادرته للسلطة، وكمبعوث لسيئة الصيت “الرباعية الدولية”. ونتوقف أمام ما بشَّر به أخيرًا في مؤتمر “ايباك” السنوي الأخير، والذي يلخِّص كل ما كرَّس ونذر نفسه له طيلة مهمته كمبعوث دولي، وبعد انتهائها وحتى اللحظة، وهو الإسهام في محاولات تصفية القضية باجتراع الحلول الملتوية، التي من شأنها استدراج التسوويين الفلسطينيين والعرب إلى شرك التصفية المتطابقة مع الرؤية الصهيونية، وأقله، تلك التي ينادي بها نتنياهو علنًا ويضمر الأسوأ منهًا في مخططاته غير المعلنة.
في طروحاته الأخيرة أمام “ايباك” أعاد بلير طباعة ما ينادي به نتنياهو في نسخة تتواءم مع الرؤية الأميركية المستجدة في نسختها الترامبوية ولا تشذ عنها، وملخَّصها أن التفاهم والتطبيع مع الدول العربية أولًا هو الطريق الأفضل والأنجع لتسهيل الحل، أو بالأحرى، فرضه على الفلسطينيين، ومهَّد لذلك بقوله:
“لن يكون في وسعنا التوصُّل إلى السلام بالاعتماد على الخطوات السابقة، نحتاج إلى منهجية جديدة لتحقيق تقدُّم”.
وإذا كانت تلك الخطوات السابقة التي يعنيها قد تمحورت، كما هو معروف، حول ما سمي “حل الدولتين”، الذي تجاوزته الوقائع التهويدية على الأرض، وتركته الإدارة الأميركية خلفها، فما هي المنهجية الجديدة التي ينادي بها بلير نيابة عن نتنياهو وترامب مجتمعين، أو ما وصفها بالحاجة المُلِحَّة لتبني “مقاربة مغايرة لأجل التوصُّل إلى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين”؟!
يجيب بلير على سؤالنا بقوله: إن “المفتاح لهذه المقاربة يتمثل اليوم في رأيي في نوعية علاقة إسرائيل مع دول المنطقة”. بمعنى أن بلير يوجه مفتاحه باتجاه الأبواب العربية الرجراجة أولًا ويعتبر إنجاز فتحها يتكفَّل بتسهيل معالجة الباب الفلسطيني، أو الاستفراد به، ويدلل بثقة على نجاعة مفتاحه هذا مؤكدًا: إن مسلسل “ربط الجسور بين إسرائيل والعالم العربي يسير في الواقع على أحسن وجه”!
لا حاجة للفت الانتباه إلى أن بلير هنا يكرر تمامًا ما سبقه إليه نتنياهو، ويتفق كليًّا مع فحوى التسريبات حول رؤية ترامب لوضع نهاية للصراع وتصفية القضية، من هنا يمكن رؤية أقواله هذه بمثابة نذير بما سنشهده من الآن فصاعدًا من حركة تصفوية أميركية يمكن التنبؤ سلفًا بكنهها، والتي تقول التسريبات إنها لا تعدو أكثر من إعادة إحياءٍ لحل شارون الشهير القائم على “دولة مؤقتة”، منزوعة السلاح، وتحت إشراف دولي، في مناطق أوسلو المعروفة بأقسامها الثلاثة ا، ب، ج، أي ما لا يتجاوز60% من مساحة الضفة، مقابل التنازل الصريح عن القدس، والمستعمرات، وحق العودة، ويترك ما يتبقى مما يسمى قضايا الحل النهائي للمفاوضات لاحقًا… يقال إن جرينبلت موفد الرئيس ترامب في جولته الأخيرة في فلسطين المحتلة قد طرح على رام الله، وكتمهيد للمفاوضات، ما دعاه “تقليص الاستيطان” مقابل إيقاف دفع مخصصات أسر الشهداء والأسرى الفلسطينيين… بالمناسبة، لمن لا يعرف المبعوث جايسون جرينبلت، هو واحد من صهاينة الإدارة الترامبوية الذي لا يقل حماسةً للتهويد عن سفيرها الجديد في تل أبيب ديفيد فريدمان، بل وكان في نهاية ثمانينيات القرن المنصرم يتابع دراسته في إحدى المدارس الدينية “التلمودية” في مستعمرات الضفة.
لعل ما يتفق مع هكذا توجهات، هو ما جاء في تجديد مايك بنس نائب الرئيس الأميركي، وأيضًا أمام مؤتمر “ايباك”، التنويه بعدم تخلي الإدارة الأميركية عن فكرة نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. ثم إن ما طرحه بلير وما قيل إن جرينبلت قد طرحه في رام الله، ومعه تأكيدات بنس لإيباك، كله ينسجم مع ما نقله الإعلام على لسان جرينبلت نفسه لاحقًا، وهذه المرة وهو يأتي كمبعوث ينوب عن الرئيس ترامب لحضور قمة البحر الميت العربية، حول ما دعاه “مؤتمرًا إقليميًّا لعملية السلام مع إطلاق مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين”، ودون أن يتطرق لذكر “حل الدولتين”.
بيد أن كل ما تقدم، يعيدنا إلى ما بدأنا به حول نذر بلير سيئة الطالع والمردود على قضايانا، والآن على القضية الفلسطينية بالذات، لا سيما إذا ما ربطناه بمسألتين:
ما نقلته صحيفة “هآرتس” من أن ترامب قد وجَّه رسالةً لنتنياهو عبر صديقهما المشترك المحامي آلان دروشوفيتش فحواها أنه “يريد التوَّصل لصفقة بين إسرائيل والفلسطينيين”، وبأنه “يعتقد أن الظروف ناضجة، وأن هذا الأمر ممكن”.
أما الثانية، فالتصريحات التي أحدثت جلبة استبقت انعقاد القمة العربية وانهالت على أثرها تصريحات النفي العربية، نعني تصريحات الأمين العام لجامعة الدول العربية حول توجُه تسووي سماه “إعادة صياغة لبعض الأفكار” في سياق خطة تسوية “للموضوع الفلسطيني”، قال إنه سيُحمل بعيد انفضاضها إلى ترامب في واشنطن، الأمر الذي أوحى حينها بنية تعديل ما تسمى “مبادرة السلام العربية”، أوما بدا وكأنما بلير يعيد المقاربة وأبو الغيط يتكفَّل بإعادة صياغتها!
…القمة وجَّهت جلَّ رسائلها باتجاه ترامب، ولم تعدِّل مبادرتها المرفوضة منذ أن طرحتها، بل أعادت التأكيد عليها، لكنها أضافت مصطلحًا جديدًا على قاموس الصراع ويطرح لأول مرة وهو “المصالحة التاريخية”!


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2329361

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 18

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28