] فلسطين بين خطيئة ناتنياهو و مأزق ترامب! - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الثلاثاء 21 شباط (فبراير) 2017

فلسطين بين خطيئة ناتنياهو و مأزق ترامب!

د. أحمد القديدي
الثلاثاء 21 شباط (فبراير) 2017

أسرع ناتنياهو مهرولا إلى واشنطن ليقطف بسرعة ما اعتقده ثمرة الانقلاب الأمريكي تجاه قضايا الشرق الأوسط بوصول ترامب إلى البيت الأبيض. لكن أغلب المراقبين للشأن الدولي أكدوا هذا الأسبوع أن ناتنياهو أخطأ في حساباته و رأينا بالفعل تراجعا تكتيكيا لإدارة ترامب تمثل في تأجيل البت في نقل السفارة إلى القدس ثم في دعوة ناتنياهو إلى المرونة إلى جانب إعلان موقف ضبابي غامض حول ما يعرف بحل الدولتين و أخيرا إقرار ترامب نفسه بأن الاستيطان عقبة في طريق السلام! ثم إن أي متابع ذكي لتطور الرأي العام الأمريكي و أدبيات الإعلام و الدبلوماسية في واشنطن يدرك مدى الحرج الأمريكي الرسمي و الشعبي من استمرار تحدي الدولة العبرية للقانون الدولي و توريط الولايات المتحدة أمام الشريك الروسي (و حتى الصيني) بتجاوزات متكررة لقرارات منظمة الأمم المتحدة : آخرها شرعنة نهب الأراضي المحتلة و قبلها مواصلة تشييد جدار العار المرفوض دوليا ثم التمسك الغريب بمبدإ الدولة اليهودية بمعنى سابقة يتيمة في العلاقات الدولية بإعلان دولة تقوم على أساس ديني لاهوتي وهو ما يتناقض مع كل توجهات العالم الحديث! الخطيئة الإسرائيلية تتمثل أيضا كما قالت افتتاحية (نيويورك تايمز) و افتتاحية (لوموند)يوم الجمعة الماضي في توقيت زيارة ناتنياهو المنافي للأعراف الدبلوماسية قبل تشكيل أقطاب الإدارة الأمريكية الجديدة و إعلان رسمي لمواقف ترامب من كل السياسات الخارجية للولايات المتحدة. وهو استباق قد يسلط الأضواء على ناتنياهو بسرعة البرق و يوظفه انتخابيا لكنه لن يحقق اصطفافا أمريكيا غير مشروط على سياسة الليكود الراهنة. فالسلطة في واشنطن ليست فقط ترامب و شخصيته المثيرة للجدل بل إن القرار الأمريكي مقسم بالتوازي بين الكنجرس و اللوبيات الداخلية و استحقاقات السياسة الخارجية و خاصة بالتنسيق مع موسكو و بيجين بالإضافة إلى ضغوط الرأي العام من خلال الإعلام القوي و أحكام القضاء المستقل التي عطلت أوامر ترامب بإيقاف دخول المقيمين مع تحركات فاعلة لمنظمات المجتمع المدني الأمريكي.

من باب الإنصاف أن نذكر بأن شعبنا الفلسطيني العربي هو بالدرجة الأولى ضحية مظلمة تاريخية غربية لم تعد تحتاج إلى دليل. و اليوم مع الذكرى المائوية لوعد بلفور يتواصل القمع الإسرائيلي بأشرس مما كان مع تصاعد وتيرة المقاومة المشروعة التي نصت عليها و ساندتها كل المواثيق الأممية و القوانين الدولية، و لكن أيضا مع تحولات متناغمة و متخبطة في السياسات العربية إزاء مأساة فلسطين. فقد أنقسم الشعب الفلسطيني ذاته على نفسه واضعا بذلك كل الجيران العرب في وضع صعب.

ففصيل رام الله وريث شرعية ياسر عرفات و جامع عديد الفصائل المقاومة و الماسك ببعض السلطة و المفاوض تحت ضغوط الغرب و عنجهية الآلة العسكرية الإسرائيلية الغاشمة للحفاظ على مبدأ الدولة الفلسطينية حيا ؟ والفصيل الذي تم انتخابه للمجلس التشريعي بحرية وشفافية و رفع راية المقاومة بعد سد إسرائيل لكل السبل السلمية ؟ العرب لم يتركوا سبيلا إلا انتهجوه لرأب صدع داخلي خطير يهدد باستفحال الأزمة وانتصار أعداء فلسطين من دون حرب.

و هل بعد هذا نشك في أن النخبة الفلسطينية هي أيضا ضحية نفسها ثم ضحية أشقاء عرب ذنبهم أنهم لم يعودوا كسابق الزمن ينسقون مواقفهم و يتشاورون فيما بينهم للتعاطي مع الشأن الفلسطيني بالإضافة إلى أربعة فواجع عربية ذات جراح مفتوحة نازفة في كل من سوريا و العراق و اليمن و ليبيا جعلت قضية فلسطين تتقهقر إلى درجات ثانوية و لم تعد ذات الأولوية المطلقة. وهذه الحقيقة لم تغب عن ذهن ناتنياهو وهو يزور البيت الأبيض الأسبوع الماضي.

و يهون أمر الخلافات الداخلية لو لم ينعكس على القضية الأم بضياع فرصة إستراتيجية ذهبية تمثلت في دفع الاتحاد الأوروبي نحو الاعتراف بدولة فلسطين و مقاطعة الإنتاج الإسرائيلي المصنع في الأراضي المحتلة لأن هذا الظرف الإقليمي و العالمي تميز بالتفاف فصائل عديدة من الرأي العام الدولي على إسرائيل بما في ذلك جزء من النخبة اليهودية المنصفة و أبرز رموزها المفكر الإسرائيلي شلومو صاند و جزء من المنظمات الأممية النزيهة أبرزها تقرير جولدستون، فجاءت الأزمات الفلسطينية الداخلية تنقذ الدولة العبرية من العزلة و العقاب و تنتشلها من النفق السياسي والدبلوماسي والإعلامي الذي تورطت فيه لأن الخلافات الفلسطينية و الفواجع العربية حولت الأنظار عن المظلمة الكبرى و أهداف التحرير.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2330092

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

36 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 37

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28