] لماذا تركت الحصان وحيداً؟ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 19 شباط (فبراير) 2017

لماذا تركت الحصان وحيداً؟

الأحد 19 شباط (فبراير) 2017

هكذا سأل طفل فلسطيني لا يكاد يدرك حقائق ما حوله والده وهما في رحلة التهجير القسري تحت إرهاب السلاح الصهيوني إلى المنافي أثناء نكبة (١٩٤٨).
قُدر لهذا الطفل «محمود درويش» أن يصبح صوت فلسطين وعدالة قضيتها أمام الضمير الإنساني. وقد أنشد ديواناً كاملاً استلهم سؤال الحصان الذي تُرك وحيداً، بعدما كبر وعرف ما جرى من اقتلاع الجذور وخذلان أنبل القضايا.
السؤال نفسه، برسائله وإحباطاته، تكرر من مرحلة إلى أخرى بصيغ مختلفة، عندما كان يعجز العالم العربي عن الوفاء بواجباته تجاه القضية، التي وصفت دائماً عن حق بأنها «قضية العرب المركزية».
بعد نحو سبعين سنة تجد القضية الفلسطينية نفسها أمام نفس السؤال شبه وحيدة بلا سند حقيقي من أصحابها.
الانقسام الفلسطيني استهلك طاقتها على التماسك الضروري أمام سيناريوهات التصفية الكاملة لأي حقوق بقيت، والتدهور العربي استنزف أي ممانعة جدية في مثل هذه السيناريوهات.
لم يكن المؤتمر الصحفي المشترك بين الرئيس الأمريكي الجديد «دونالد ترامب» ورئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو في واشنطن حدثاً اعتيادياً على أي نحو وبكل حساب، بقدر ما كان منذراً بتحولات جوهرية تنال من أي فرصة تسوية تحفظ للفلسطينيين الحد الأدنى مما تبقى من حقوق وأراضٍ.
لأول مرة منذ ربع قرن تتخلّى الولايات المتحدة عن «حل الدولتين»، بما يشبه إعلانات الوفاة.
سقطت - مرة واحدة - كل الادعاءات والمراوغات والعبارات التي تنسب نفسها للقوانين الدولية. بدت الصورة على حقيقتها، واضحة وصريحة ونهائية، بلا مساحيق تجميل.
لم يكن «حل الدولتين» جدياً منذ توقيع اتفاقية «أوسلو» منتصف تسعينات القرن الماضي، بالنظر إلى السياسات «الإسرائيلية» في التوسع الاستيطاني وهضم أراضٍ من الضفة الغربية، والعمل على تهويد القدس، والسعي ل«يهودية الدولة».
اللعبة صُممت من البداية على أن يقتصر الدور الوظيفي ل«السلطة الفلسطينية» على ضمان الأمن «الإسرائيلي»، أو أن يكون الاحتلال بتكاليف منخفضة، وقد تمددت جولات التفاوض بغير أفق سياسي أو مدى زمني.
أرجو أن نتذكر أن اتفاقية «أوسلو» نصت على أن الحل النهائي في عام (١٩٩٩).. و«الرباعية الدولية»، التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، تبنت خريطة طريق لإعلان الدولة الفلسطينية عام (٢٠٠٥).. لا شيء من ذلك قد حدث.
فضلاً على أن جولات التفاوض وصلت كلها إلى حائط مسدود، رغم كل التنازلات الفلسطينية والعربية التي قُدمت.
اغتيل «ياسر عرفات» بالسم، ووجد خليفته «محمود عباس»- الذي يوصف بأنه «عرّاب أوسلو»- نفسه شبه محاصر، لا يملك أن يغادر «رام الله» إلا بختم «إسرائيلي» على جواز سفره- كما قال متألماً من المهانة التي يتعرض لها.
سألني: «قل لي ماذا أفعل؟».
- «تحلل من أوسلو وحل السلطة الفلسطينية». المعنى أن تعرض القضية على العالم دون أوهام، كشعب تحت الاحتلال من حقه أن يقاوم وفق القوانين الدولية.
وكانت إجابته: «أنا أوافق على مثل هذا الخيار، لكنه لم يأتِ في وقته».
لم تعد هناك الآن أي أعذار للإقدام على مثل هذه الخطوة، فإذا لم يدافع الفلسطينيون عن قضيتهم فإن خسارتها سوف تكون نهائية، أياً كانت الاعتراضات الدولية على إلغاء «حل الدولتين».
التفاهم الأمريكي «الإسرائيلي» الجديد ينسخ أي احترام للقرار الذي أصدره بالإجماع مجلس الأمن الدولي قبل أسابيع بإدانة الاستيطان «الإسرائيلي».
كل ما طلبه «ترامب» أن تتباطأ عملية بناء المستوطنات، وهذه مسألة متروكة لتقديرات «نتنياهو»، كما أكد عزمه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، دون أن يعلن موعداً مؤخراً خشية ردات الفعل والعواقب.
إنه تحلل كامل من القوانين والالتزامات الدولية، يفسح المجال لمزيد من التوسع الاستيطاني تحت غطاء أمريكي، ولوم الضحية الفلسطينية باتهامات تنسب إليها، تبني خطاب «الكراهية» وتهديد الأمن «الإسرائيلي». وإنه التماهي الكامل مع المشروع الصهيوني بأكثر من أي إدارة أمريكية سابقة.
في قلب الحقائق وصفت السفيرة الأمريكية في مجلس الأمن «نيكي هايلي» أشد الممارسات عنصرية في التاريخ، الحديث ب«الهوس بإدانة «إسرائيل». كلام «ترامب» عن «حل عظيم» للأزمة الفلسطينية يعني بالضبط إنهاءها.
وطرحه لاحتمال «حل الدولة الواحدة» يعني تماماً «الدولة اليهودية» لا «دولة كل مواطنيها» على ما دعت أصوات فلسطينية من خلف الجدار، أو «الدولة الديمقراطية العلمانية» على ما تبنت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وتنظيمات فلسطينية أخرى.
وهو ما قد يُفضي إذا ما توافرت ظروف مساعدة إلى أكبر عملية ترانسفير وتطهير قومي وعرقي منذ النكبة.
المثير أن الإدارة الأمريكية، وهي توافق على مثل ذلك الخيار، تتبنى أولوية التطبيع الإقليمي- الاستراتيجي والاقتصادي- مع «إسرائيل» دون أي تنازلات من أي نوع في مسألة الأراضي.
بل إن «نتنياهو» طلب من «ترامب» دعمه لضم هضبة الجولان السورية، وهو احتمال ينتظر الخرائط الجديدة المحتملة بعد انتهاء الحرب على «داعش» في سوريا ومصير المفاوضات الجارية بين النظام ومعارضيه.
رغم نفي «نتنياهو» ما صرح به أحد وزرائه من أنه طرح على «ترامب» إقامة دولة فلسطينية في سيناء، فإن ذلك نوقش منذ فترة طويلة في مراكز الأبحاث وصناعة القرار «الإسرائيلي».
لا يجب الاستخفاف بمثل ذلك السيناريو، ولا بمشروع «البديل الأردني»، ولا الكلام عن تهجير فلسطيني إلى العراق.
التخاذل يفضي إلى منح «إسرائيل» كل أسباب القوة.. بالمجان.
«لماذا تركت الحصان وحيداً؟». سؤال إلى الضمير العربي، والمستقبل العربي، والمصير العربي.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2330092

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 4

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28