موازنة الكيان تنتج حروباً واستيطاناً

د. فايز رشيد

الثلاثاء 27 كانون الأول (ديسمبر) 2016

رغم أن الكيان الصهيوني أعلن مراراً خلال العام الحالي 2016، بأن ظروفه الأمنية، لم تكن بأفضل منها، كما هي عليه الآن. وهذا ما أكده أيضاً مؤتمر هرتزيليا الاستراتيجي ال 16. فإنه، حتى لو لم يشرح الكيان أسباب هذا الاستنتاج لكنها معروفة تماماً.
نعم، الخلافات البينية العربية، والصراعات المذهبية والطائفية والإثنية الدموية، التي تدور في أكثر من بلد عربي، وصلت إلى مرحلة التناقض التناحري بين الأطراف المختلفة، بدلاً من أنه من المفترض، أن يكون التناقض الرئيس، مع العدو الأساسي للأمة العربية بكاملها، وهو العدو الصهيوني. رغم ذلك، فإن هذا العدو، ما زال ماضياً في تدعيم آلته الحربية، واستيطانه، الأمر الذي يؤكد عدوانيته الدائمة، ومشاريعه التوسعية على حساب الأرض الفلسطينية والعربية، وهو ما يتنافى مع أوهام المراهنين من الفلسطينيين والعرب، على إقامة أي شكل من أشكال السلام معه.
منذ عودته إلى منصبه كرئيس وزراء في دولة الكيان، منذ العام 2009، يصر بنيامين نتنياهو على إقرار ميزانية مزدوجة لعامين. وهو نمط قائم فقط في دول لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ومن بينها الكيان الصهيوني. لنتنياهو في هذا النمط، حسابات حزبية عنوانها المصلحة، إذ إن عملية إقرار الموازنة العامة سنوياً، تكون مرحلة لضغوطات أحزاب الائتلاف، على الحزب الحاكم، لتحقيق مكاسب مالية لجمهورها.
ويتم استخدام كافة الخلافات السياسية والحزبية والداخلية، في إطار الضغط، كون القانون يلزم الحكومة، بإقرار الموازنة في فترة محددة وإلا يتم حلها والتوجه إلى انتخابات مبكرة.
لقد أقرّ الكنيست نهاية الأسبوع الماضي، بالقراءة النهائية، الموازنة العامة للعامين المقبلين 2017 و2018، بحجم 117 مليار دولار للعام القريب، و121 للعام التالي. يتضح من النظرة الأولى للموازنة، أن ميزانية الحرب تسجل في العام المنتهي 2016، وأيضاً في العامين المقبلين أرقاماً غير مسبوقة بوصولها إلى 119 مليار دولار للعام 2017، و121 ملياراً للعام 2018. بينما قالت صحيفة «هآرتس»، إن الميزانية المزدوجة الجديدة تسجل أيضاً ذروة في الامتيازات المالية التي يحصل عليها المستوطنون، إذ تصل إلى خمسة أضعاف ما يحصل عليه الفرد الصهيوني.
من جانبها، فإن اللجنة المالية للكنيست الصهيوني، قررت تحويل 500 مليون دولار جديدة، لميزانية جيش الاحتلال من الفائض في الموازنة العامة. وحسب تقارير أخرى، فإنه من المتوقع أن يحصل الجيش في يناير/كانون الثاني القادم على 150 مليون دولار إضافي، وبذلك تصل الميزانية الكلية مع نهاية العام الحالي إلى 19 مليار دولار. تعد هذه الميزانية، الأكبر لجيش الاحتلال ووزارته، ففي العام 2012 كان إجمالي الميزانية 15,7 مليار دولار.
ويدخل في مطلع العام 2018 إلى حيز التنفيذ اتفاق الدعم العسكري الأمريكي الجديد، الذي سيكون بمعدل 3,8 مليار دولار سنوياً، أي بمعدل زيادة تتراوح ما بين 200 مليون إلى 300 مليون دولار سنوياً عن الدعم السابق، وكانت «إسرائيل» تحصل سنوياً على دعم إضافي (غير المقرر) يتراوح ما بين 350 مليوناً إلى 500 مليون دولار، الأمر الذي يعني أن الدعم الإضافي سيشكل نصف مليار دولار سنوياً. من ناحية أخرى، قال بحث جديد نشرت معطياته الأولى قبل أسبوعين، وأعده مركز «ماكرو» للسياسات الاقتصادية، إن المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، سيسجلون في العامين المقبلين، ذروة جديدة في الامتيازات المالية الضريبية، التي سيحصلون عليها، عدا عن كل الميزانيات التفضيلية لهم في جميع الوزارات، وهي ثابتة في كتاب الموازنة سنوياً. وحسب تقديرات الفرد، فإن معدل المستوطن الواحد من الامتيازات الضريبية سيصل إلى 510 دولارات، ما يعني أن عائلة كل مستوطن ستحصل على امتيازات ضريبية سنوياً، تصل إلى 3 آلاف دولار وأكثر، وفقاً لزيادة عدد أفراد العائلة بالطبع. وهذا لا يشمل الامتيازات المالية، وبشكل خاص في قطاع التعليم، والتسهيلات الكثيرة التي تؤدي إلى تخفيض جدي في أسعار البيوت، وتخفيض في الضرائب البلدية، والكثير من النواحي الحياتية الأخرى.
يقول البحث أيضاً إنه على الرغم من المستوى المعيشي العالي للمستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، إلا أنهم يحصلون على دعم حكومي أكثر بنسبة 25% مما تحصل عليهم مناطق ينتشر فيها الفقر. بشكل عام فإن معدل الامتيازات الضريبية للفرد الواحد من المستوطنين، تصل إلى خمسة أضعاف ما يحصل عليه المستوطن الساكن في المنطقة الفلسطينية المحتلة عام 1948.
وبعد.. هل هذه دولة يمكن التعايش معها، ويركن إلى اتفاقيات تحترمها؟ أسألوا أنفسكم أيها الواهمون باتفاقيات «السلام» المعقودة مع الكيان والحالمون بوقف للاستيطان.