] هكذا انتكست دبلوماسية مصر واسرائيل - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 24 كانون الأول (ديسمبر) 2016

هكذا انتكست دبلوماسية مصر واسرائيل

محمد عايش
السبت 24 كانون الأول (ديسمبر) 2016

- محمد عايش

أربع دول غير عربية هي التي تبنَّت مشروع قرار إدانة الاستيطان الاسرائيلي في مجلس الأمن، بينما بادرت مصر الى سحب مشروع القرار وتراجعت عنه وحاولت عرقلة التصويت عليه، لتكشف المصادر الاسرائيلية كواليس ما جرى وتؤكد بأن الموقف المصري تم بطلب من حكومة تل أبيب وبعد اتصال هاتفي أجراه الرئيس الأمريكي المقبل دونالد ترامب مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

لولا الدول غير العربية الأربعة لنجح النظام المصري في إنقاذ الاسرائيليين وفوَّت على الفلسطينيين والعرب والعالم فرصة إدانة الاستيطان الاسرائيلي الذي يبتلع اليوم أكثر من % من أراضي الضفة الغربية، وهو الاستيطان الذي يُجمع العالم بأكمله على أنه غير شرعي، وأنه يمثل انتهاكاً لقوانين الشرعية الدولية، ومحاولة لتغيير الواقع على أرض محتلة يجري التفاوض منذ سنوات على مصيرها.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتلقى فيها العرب صدمة من الدبلوماسية المصرية التي تنحاز الى المعسكر المعادي؛ فقبل أسابيع قليلة نشبت أزمة حادة بين الرياض والقاهرة بسبب أن المندوب المصري صوَّت مع المشروع الروسي في مجلس الأمن بشأن سوريا، وهو ما دفع المندوب السعودي الى أن يستشيط غضباً حينها ويقول بأن موقف كل من ماليزيا والسنغال أقرب الى الموقف العربي من الموقف المصري.. وها هي السنغال وماليزيا (إضافة الى نيوزيلندا وفنزويلا) يتبنون مشروع القرار الذي سحبته مصر وحاولت عرقلته، لينتهي مجلس الأمن الى إقرار القرار بأغلبية 14 صوتاً من أصل 15 عضواً في المجلس، دون أن تستخدم أي من الدول الخمسة الكبار حق “الفيتو” لنقضه، بينما اكتفت الولايات المتحدة بالامتناع عن التصويت.

ثمة العديد من الدلالات المهمة والكبيرة والعميقة لصدور القرار رقم (2334) الذي يُدين الاستيطان الاسرائيلي، ويطالب اسرائيل بوقف التهام أراضي الضفة الغربية وتغيير معالمها، وهذا على الرغم من أن القرار ربما لا يلبي كل طموحات الفلسطينيين، إلا أنه يشكل تحولاً مهماً ذو دلالات لا يمكن غض النظر عنها.

أولا: قرار إدانة الاستيطان الاسرائيلي هو الأول من نوعه منذ 36 عاماً، وكانت آخر محاولة فاشلة لاستصدار هكذا قرار قد حدثت في العام 2011 عندما استخدمت الولايات المتحدة حق “الفيتو” لتعطيل مشروع القرار آنذاك، وهذا يعني بكل وضوح أن العالم يشهد تغيراً استراتيجياً مهماً في مجال التعاطي مع القضية الفلسطينية، إذ لم تعد الأكاذيب الاسرائيلية تنطلي على العالم، ولم يعد ما يسوقه الاسرائيليون يلقى من يصدقه، ولذلك يتغير تدريجياً طريقة تعاطي العالم مع اسرائيل وسياساتها، وخاصة في مجال الاستيطان. وقبل صدور هذا القرار كان الاتحاد الأوروبي قرر تمييز منتجات المستوطنات بما يعني أن التعاطي معها لا يتم بنفس طريقة التعامل مع المنتج الاسرائيلي العادي.

ثانيا: تبني مشروع القرار من أربع دول غير عربية تقع في قارات إربعة مختلفة والعمل على تمرير القرار في أهم محفل دولي من قبل هذه الدول الأربعة، بما فيها نيوزيلندا التي تقع جغرافياً في أبعد مكان عن المنطقة العربية، وفي طرف العالم، فهذا يعني أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية العرب وحدهم بل تحولت الى قضية مركزية كونية تُمثل مركز الاهتمام للعالم بأكمله.

ثالثا: الدبلوماسية المصرية تسببت بالاحباط للعرب للمرة الثانية خلال شهرين فقط، الأولى عندما صوتت في مجلس الأمن مع المجازر في سوريا ولصالح المشروع الروسي الايراني في المنطقة، والثانية عندما حاولت إحباط قرار إدانة اسرائيل، وهو ما يُفسر أيضاً كيف ولماذا يستمر الحصار المصري على قطاع غزة، وبتشديد أكبر من التشديد الاسرائيلي للحصار، إذ باتت مصر في ظل النظام الحالي أهم حليف للاسرائيليين في المنطقة على الصعيد السياسي والأمني والعسكري.

رابعا: بالقرار الجديد الصادر عن مجلس الأمن تكون الدبلوماسية الاسرائيلية قد تلقت ضربة موجعة، كما تكون جماعات الضغط ووسائل الاعلام وشركات العلاقات العامة التي تعمل لحساب الدولة الاسرائيلية قد منيت هي الأخرى بالفشل. القرار أكد العزلة الحقيقية لإسرائيل وسياساتها المنتهكة للقانون الدولي على المستوى الدولي .والدرس المهم أنَّه من الممكن التصدي للدبلوماسية الاسرائيلية وأدواتها لو توفرت الارادة وإذا تم اختيار الوقت المناسب. هذا انتصار جديد للقضية الفلسطينية لا يمكن الاستهانة به ولكنها تبقى خطوة على طريق الألف ميل نحو الحريةوعودة الحقوق.

خامسا: لا شك أن القرار هو رسالة وصفعة اخيرة من اوباما لنتانياهو ورد متاخر منه على الاهانات المتكررة والتامر الذي مارسه الأخير ضد اول رئيس اسود للولايات المتحدة الامريكية. لقد جاء اوباما في بداية عهده بآمال عريضة لحل القضية الفلسطينية وكان إيقاف الاستيطان عنوانا رئيسيا في برنامجه. ولكن نتنياهو أفشل مشروع أوباما بالكامل بل وصل تأمره الى الحد الذي دعم فيه المرشح الجمهوري رومني ضد اوباما في الانتخابات الرئاسية في 2012. وكذلك تحريضه العلني والمبطن ضده في الكونغرس. وكذلك أراد اوباما ان يقول لترامب الذي حاول ان يوقف القرار بتصريحاته العلنية واتصاله المباشر بالسيسي انه الرئيس الوحيد للولايات المتحدة صاحب الصلاحية الكاملة حتى اخر لحظة في ولايته. على أية حال ربما أراد اوباما ايضا ان يؤكد استمرار التزامه الشخصي المبدأي بما طرحه في اول عهده وفشل في تحقيقه . ويبقى السؤال لماذا لم يسمح اوباما بمثل هذا القرار في اول عهده وليس في اخر أيامه . ربما لو انه فعلها بداية لكان الشرق الأوسط وقضيته الاولى في وضع اخر مختلف تماما. ولكنه التردد القاتل والانسحاب في كل شؤون الشرق الأوسط هو ما رافق اوباما في سنواته الثمان. وهذا لا يقلل من أهمية القرار حتى وان تاخر فان تأتي متاخرا خير من ان لا تأتي أبدا.

خلاصة القول، إنَّ القرار الأممي الذي يدين الاستيطان الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية يُمثل تطوراً استراتيجياً بالغ الأهمية على الرغم من أنه من حيث المضمون لا يلبي طموحات الشعب الفلسطيني كافة ولا يحقق لهم حقوقهم الكاملة، كما أنه من المعروف سلفاً أن الاسرائيليين سيضربون عرض الحائط به، إلا أنه بكل الأحوال يمثل هزيمة قاسية لآلة الاعلام والسياسة الاسرائيلية، وتحولاً جديداً في مسار القضية الفلسطينية التي تخرج من إطارها العربي لتثبت من جديد أنها قضية مركزية للعالم بأكمله، أما النتيجة الأخرى التي يتوجب على العرب أن يفهموها فهي أن بعض الأنظمة العربية باتت أبعد بكثير عن العرب من دول تبعد جغرافيا ولكنها تقترب انسانيا واخلاقيا مثل نيوزيلندا والسنغال وماليزيا وفنزويلا، كما قال السفير السعودي ذاته في لحظة غضب بنيويورك.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2330092

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 26

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28