] ناهض حتر.. الذبح مرتين - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الجمعة 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2016

ناهض حتر.. الذبح مرتين

بقلم: عباس بيضون
الجمعة 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2016

كان ناهض حتر في طريقه إلى التحقيق حين تعرّض له سلفيّ أرداه بثلاث رصاصات. ناهض حتر الممنوع من النشر في الأردن منذ عام 2001 والذي سبق له أن دخل السجن مرات عدة، لا يمكننا إلّا أن نُعِدّه معارضاً. وهذا ما كان هو يطلقه على نفسه. معارض وفوق ذلك يساري في دولة ذات نظام ملكي، يعدّ نفسه يسارياً وشيوعياً وعلمانياً وغير معني بالدين بل ملحداً. إنه المثقف المعارض، والرصاصات التي أردته هي رصاصات سلفية، والكاريكاتور الذي جوزي عليه بالإعدام علانية هو عبارة عن نكتة. الكاريكاتور الذي فسّره ناهض حتر بأنه تنديد بالسلفيين فحسب ولا صلة له بالله من قريب أو بعيد. وأمام الضجة التي أثارها حذَفَه من فايسبوك، الأمر الذي لم يمنع المهندس السلفي الذي لا ينتمي إلى داعش بل يعارضه من أن يفرغ في رأسه طلقات عدة. نفهم ذلك أنّ داعش ليس وحده الذي يقتل أو يختصّ بالقتل، القتل هو دائماً وارد ومحتمل لدى السلفي، ولا يبعد عن أن يكون جزاءً شرعياً لكل من يخالف عقيدته أو تفسيره للعقيدة. المهم أنّ ناهض حتر الذي ذُبح أمام باب المحكمة هو مناضل ومعارض، وإن على طريقته، كما يجدر بمثقف أن يكون.
قد يحتجّ البعض على موقف حتر من النظام السوري الذي يجد أنه ضحية مؤامرة عالمية فيما هو النظام العلماني الوحيد في العالم العربي، لكنّ احتجاجاً كهذا ليس بعيداً من الأردن. المسيحي الأردني ناهض حتر هو من مجموعة من النخبة الأردنية ترى أن الأسرة الهاشمية اجتُلبت من الخارج لحكم الأردن، وأن الأردن بكيانه الحالي اصطُنع اصطناعاً وفُصل عن سوريا الأم. ذلك هو موقف نؤيده أو نعارضه، لكنه بالطبع ابن بيئته وابن مكانه، في الأردن الأردني والفلسطيني وفي الأردن قد تتموّه نزعة أردنية بصبغة يسارية، فهذا هو تاريخ الإيديولوجيات في المنطقة، وغالباً ما يبدو التمويه كاملاً ومتقناً بحيث يغيب الأصل ولا يمكن التمييز بين الطرفين.
على كل حال وبعيداً من أي تبرير، يمكننا أن نرى في ناهض حتر معارضاً وجريئاً. فهذا الرجل الذي سلخ ردحاً من حياته في المعتقلات، والذي مُنع من النشر في الصحافة الأردنية والذي سقط في النهاية صريع آرائه، هو المثقف الذي يؤدي دوره ومكانه كمثقف، وهو الذي يمارس حقه الذي لا مثقف بدونه، حقه في الاعتراض ولو من خارج الجماعة. ولا ننسى أنّ ناهض حتر يواجه النظام الملكي الأردني، ولهذا حساباته وقد تكون حسابات أخرى. ولهذا بالطبع عوامله ودوافعه التي قد تختلف عن سواها.
يبدو مهماً بالدرجة نفسها وربما أكثر، أن نقف عند آراء ناهض حتر في الأردن. لم يكن حتر، على الأقل علانية، ضد النظام الملكي، لكنه كان ينادي بنظام برلماني ديموقراطي. نظام ليس فيه داخل القصر حكومة فوق الحكومة وبرلمان فوق البرلمان. هذا ما نادى به ناهض حتر في كتابه عن الملك حسين، الكتاب الذي يؤرخ للملك الراحل، لكنه يدعو مع ذلك وفوق ذلك، لملكية دستورية برلمانية، ملكية تحكم من داخل الحكومة والبرلمان لا من داخل القصر «ما دام الأردن محكوماً بنظام رئاسي حيث توجد في الديوان الملكي حكومة فوق الحكومة».
ناهض حتر المسيحي الشيوعي الأردني، لا ننسى أنّ الحزب الشيوعي الأردني انقسم إلى حزب فلسطيني وحزب أردني، قال عن الرسم الكاريكاتوري الذي جوزي عليه بالسجن في 17 آب وأطلق في ما بعد، إنه يسخر من الإرهابيين وينزّه الذات الإلهية. لكنّ هذا لم يمنع داعية متطرفاً من أن يهدده بأنه سيقتلع قلبه. اعتقل بتهمة المسّ بالمعتقد الديني والذات الإلهية وجوزي على ذلك بالقتل. حتر الذي ينتمي إلى أقلية دينية عريقة لا تبالغ إذا عدّت نفسها الأعرق والألصق بالأردن، لكن ماذا يفعل الأقلوي في هذا الشرق؟ ماذا يفعل سوى أن يُطالب بحكم برلماني وملكية دستورية وحرية تعبير يتساوى فيها الجميع؟ ماذا يفعل أمام طغيان الأكثرية الدهماء، وأمام استيقاظ النعرات الدينية والعرقية؟ كان ناهض حتر المسيحي يُعِدّ نفسه ملحداً، لكن جازاه على إلحاده سلفيّ مسلم.
ناهض حتر ذبح أمام بيت القانون، أمام المحكمة. لم يشفع له أنه أمام بيت القانون ولم يردع هذا قاتله. ذلك أنّ بيت القانون ليس شيئاً في حساب القاتل، أنّ له قانونه الخاصّ الذي يبيح القتل على الرأي وعلى الصورة وعلى الرمز والاستعارة. ماذا يعني القانون للأكثرية التي تتمسّك بقانونها والتي لا تعترف بسواه، أليس يعني، وتعني معه الدولة والحكومة والبرلمان، هياكل خاوية؟ أليست الدولة، مجرد شكل برانيّ؟ كيف تدافع الدولة عن نفسها إن سمحت بالذبح على أبواب المحكمة، كيف تكون الدولة شيئاً مذكوراً إذا سكتت عن تدنيس القانون والاستهتار به؟ القاتل مهندس ومن الواضح أنه لا يلقي بالاً للدستور ولا للدولة ولا القانون، إنه عند نفسه مكلفٌ القتل، ماذا سيكون الأمر حين يغدو القتل هو الجزاء الوحيد وحين يغدو أي رأي جناية على شرع الله، إذا كان الذبح وربما بالسكين وعلى الخناق هو ما يستحقه أي رأي، ولو كان مجرد نكتة، وأي نكتة هذه إذا اعتبرت تجديفاً وسخرية من النص الديني؟ لم يفعلوا هكذا بأحد في ماضي الإسلام، لم يُعدم الراوندي الملحد ولا منكرو النبوّة كالرازي ولا ممازحو المقدّس ولا المتهمون بالكفر. لم يُذبح واحد من هؤلاء على باب المسجد أو باب المحكمة، كيف يمكن إذاً إجراء ذلك في هذا العصر وفي دولة مدنية وفي بيت القانون؟
كان ناهض حتر جريئاً على الملك وجريئاً على النظام الملكي. كان جريئاً بالمطلق. هل كان يتحسّب أنه أمام الحرّاس وأمام سدنة القانون سيُذبح وأنّ كثيرين ممن فكّر فيهم ودافع عنهم سيرون أنّ هذا حكم الله، وأنّ القاتل لن يحسِب أنه فعل شيئاً؟ لقد انتقم للشريعة وللدين. بالتأكيد ستكون المحكمة محرَجة للمرة الثانية وسيكون صعباً عليها أن تقاضي القاتل بالأسلوب الذي نفّذ به جريمته، سيكون ما فعله شيئاً يشبه جريمة الشرف، وسيُجازى عليه جزاء جريمة الشرف، فيكون الذبح على باب المحكمة تمّ مرتين.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2330092

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

38 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 40

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28