مسجد بسعة وطن

خيري منصور

الاثنين 24 تموز (يوليو) 2017

لأنهم جاؤوا من كل أنحاء فلسطين، من المناطق المحتلة عام 1948 وما أعقبها من الاحتلال الحزيراني عام 1967 ولأنهم مسلمون ومسيحيون.
حذفت الهوية الوطنية أي فارق بينهم لحظة الامتحان العسير، فإن الأقصى أصبح في لحظة هو الأدنى والأوسط والأقصى معاً، وشمل خطوط الطول والعرض لتلك الجغرافيا الرسولية الجريحة.
وهناك أمكنة تتجاوز مساحتها، تماماً كما كانت فلسطين وما تزال أوسع بأضعاف من خريطتها التي تشبه الخنجر، وكم كانت الخسارة فادحة وفاضحة معاً حين تصور البعض أن فلسطين تقع فقط داخل حدودها بين نهر وبحر فهي رمزياً وقومياً من الماء إلى الماء ومن الدم إلى الدم، ولها نبض يخصها في كل قلب مسكون بعشقها وكل لسان يلهج باسمها!
وهذه ليست المرة الأولى التي أصبح فيها الأقصى مسجداً بسعة وطن، ففي كل مرة تعرض فيها للانتهاك كان كذلك، منذ محاولة حرقه عام 1969 مروراً بتدنيس شارون لترابه وانتهاء بهذه اللحظات التي أراد الاحتلال لها أن تكون اشتباكاً بين الإلكتروني والسماوي، وبين نعيق المحتل وهديل الحمامة الجريحة في عشها!
إنها لحظات تفلت فيها الكلمات من الأصابع، ويختلط الحبر بالدمع؛ لأن الاستغاثة لم تصل، ولأن القاتل يشهر سيفاً يقطر منه الدم مزهواً بجريمته.
وبالرغم من كل ما جرى من محاولات التدجين في عالمنا العربي، إلا أن الناس سرعان ما ينهضون من الكبوة، وينفضون الغبار حتى لو كان غبار الدفن ويعلنون قيامتهم القومية.
إنه مسجد بسعة وطن، ويتسع رغم حصاره وإغلاق أبوابه لمئات الملايين الذين كانت القدس وستبقى عاصمة الروح بالنسبة إليهم.
إنها لحظة رغم ما تثيره من قشعريرة في البدن والروح تعلن بقاء العربي على قيد ذاكرته وهويته وأشواقه.