] ما هي طبيعة ومستقبل الاحتجاجات المتزايدة في إسرائيل ضد نتنياهو وحكومته؟ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأربعاء 29 تموز (يوليو) 2020

ما هي طبيعة ومستقبل الاحتجاجات المتزايدة في إسرائيل ضد نتنياهو وحكومته؟

الأربعاء 29 تموز (يوليو) 2020

تتواصل الاحتجاجات في إسرائيل على ظواهر الفساد والفشل الحكومي في مواجهة جائحة كورونا، وتتواصل الاعتداءات عليها من قبل متطرفي اليمين الصهيوني، وسط توجيه اتهامات لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بالتحريض على المتظاهرين والمحتجين.

وشهدت تل أبيب مجددا مظاهرة صاخبة ضد وزير “الأمن الداخلي”، أمير أوحانا الذي تم توثيق محادثة له مع القائد العام للشرطة، وهو يوجهه قبل أيام لقمع المظاهرات ضد بنيامين نتنياهو في القدس وتل أبيب. وجاءت هذه الاعتداءات على المتظاهرين بالسلاسل والهراوات وإصابة عدد منهم بجراح، استمراراً لاعتداءات وحشية قامت بها عصابات “لافاميليا” في القدس الغربية، ضد المتظاهرين خلال الأيام الأخيرة رغم وجود رجال الشرطة الإسرائيلية الذين تعتقلون يوميا عددا من المتظاهرين.

وقال مراسل صحيفة “الاتحاد” الصادرة في حيفا داخل أراضي 48 إن”كل الدلائل تشير إلى أن نتنياهو وعصابته يستعينون من وراء الكواليس بـ”العصابات الإرهابية” كي تردع المتظاهرين، وهي ذات العصابات التي عهدتها جماهيرنا الفلسطينية بالاعتداءات الدموي عليها”.

الدلائل تشير إلى أن نتنياهو وعصابته يستعينون من وراء الكواليس بالعصابات الإرهابية كي تردع المتظاهرين، وهي ذات العصابات التي اعتدت على الجماهير الفلسطينية

وتابع: “كنت هناك وشاهدت هؤلاء الزعران يرتكبون اعتداءات بحق محتجين، كما اعتدوا من قبل على فلسطينيين عابري سبيل في شطري مدينة القدس وهي ذات العصابات التي شنّت عدوانا دمويا إرهابية قبل ست سنوات على مظاهرة للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحزب الشيوعي الإسرائيلي في حيفا، ضد الحرب على غزة، تحت بصر الشرطة التي آزرت الإرهابيين ضد المتظاهرين “. وفي هذا السياق، بعث المستشار القضائي لحكومة الاحتلال أفيحاي مندلبليت، رسالة الى قيادة الشرطة، يوصيها بأن تتخذ قراراتها في “مواجهة” المظاهرات، بموجب تقييمات وقرارات الجهاز “المهني” في الشرطة، دون أي تأثير من “اعتبارات غريبة”.

وجاءت الرسالة، ردا على وزير الأمن الداخلي، أمير أوحانا، الذي تم توثيق محادثة له مع القائد العام للشرطة، يوجهه باستخدام قوة اشد ضد المتظاهرين مثل عدم السماح لهم بإغلاق شوارع والتظاهر في الشارع الذي يقع فيه المقر الرسمي لرئيس الوزراء، تحت ذريعة الضجيج في الليل.

وجاء في رسالة مندلبليت للقائد العام للشرطة موطي كوهين، أن “القرارات في الشرطة، فيما يتعلق بالمظاهرات، يجب أن ترتكز فقط على اعتبارات مهنية، دون أي تدخل لمبادرات شخصية وفردية، واعتبارات غريبة”.

“الرايات السود”

ويشهد الشارع الإسرائيلي في الآونة الأخيرة موجة من الاحتجاجات المُستمرة تقريباً منذُ منتصف أبريل/ نيسان الماضي، واشتدّت وتيرتها في الأسابيع الماضية، وهي تُنظّم بشكل شِبه أسبوعي من قِبل حراك “الرايات السود” وحركة “العقد الجديد” وغيرهما، وهي موجة غير مسبوقة منذُ بدء تفشّي فيروس كورونا في إسرائيل.

وقد جاءت هذه الاحتجاجات في البداية، كتعبير عن رفض المتظاهرين للمفاوضات الجارية بين حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، وحزب أزرق أبيض برئاسة بيني غانتس، لتشكيل حكومة طوارئ في إسرائيل، حيث قادت أحزاب المُعارضة الإسرائيلية المظاهرة حينها وأُطلق عليها تسمية “الرايات السود”، نسبةً لُمنظّميها، الذين رفعوا شعارات تُندّد بتقويض نتنياهو وحكومته للديمقراطية في إسرائيل. وتمكّن المنظّمون من حشد أكثر من 2000 مُتظاهر في ميدان رابين وسط مدينة تل أبيب، حيثُ ألقت فيها بعض الشخصيات السياسية المُعارضة لنتنياهو وبعض نواب المعارضة مثل موشيه يعلون ويائير لبيد عن تحالف “يوجد مستقبل- تلم”، وعضو الكنيست أيمن عودة عن القائمة المُشتركة، خطابات مُندّدة باستمرار نتنياهو في منصبه كرئيس للحكومة بعد أن وُجّهت له لائحة اتهام في ملفات الفساد المُختلفة، مُتّهمةً إيّاه بمحاولة تدمير الديمقراطية الإسرائيلية،

ومع تشكيل حكومة نتنياهو الخامسة في إسرائيل، وبعد موجة الانتشار الثانية لفيروس كورونا مؤخراً، أخذت الاحتجاجات التي يُنظّمها ويقودها حراك “الرايات السود” بشكل شبه أسبوعي تقريباً منحى مُختلفا؛ حيث أصبح الحراك أكثر تنظيماً من ذي قبل، وواظب بعض المتظاهرين على الاعتصام والتظاهر في شارع بلفور بالقرب من مقرّ إقامة نتنياهو بشكل شبه مُنتظم منذ شهر تقريباً.

%22 عاطلون عن العمل

بالتوازي مع ذلك، انطلقت موجة أُخرى من الاحتجاجات، والتي اختلطت أحياناً مع احتجاجات “الرايات السود” واندمجت فيها، للتعبير عن حالة الاستياء والغضب من سوء إدارة نتنياهو وحكومته لأزمة فيروس كورونا، وما رافقها من تردٍّ للأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة التي وصلت إلى 22 % بفعل الإدارة السيئة للأزمة من قِبل نتنياهو المُنشغل بالبحث عن حلول تضمن بقاءه في الحُكم بعد أن وجّهت له تُهم بالفساد.

لكن المُلفت في احتجاج “الرايات السود” هو سلوكه مسارا مُختلفا لربّما عن مسارات الاحتجاجات السابقة التي غلبَ عليها الطابع المطلبي فقط، وليس المطلبي- السياسي كما هو حال احتجاج “الرايات السود”.

تعود نشأة الحراك إلى الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وتحديداً لمُبادرة الأخوة الأربعة إيّال، شيكما، يردين، وديكل شفارتسمان، حينما خرجوا بواسطة مجموعة من المركبات والأشخاص باتّجاه مقرّ الكنيست الإسرائيلي رافعين الرايات السود احتجاجاً على قرار رئيس الكنيست في حينه، يولي إدلشتاين (الليكود)، بعدم عقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للكنيست بعد الانتخابات مُباشرة، وهو الأمر الذي رأى فيه المُحتجّون انتهاكاً صارخاً للديمقراطية في إسرائيل.

المُلفت في احتجاج “الرايات السود” هو سلوكه مسارا مُختلفا لربّما عن مسارات الاحتجاجات السابقة التي غلبَ عليها الطابع المطلبي فقط، وليس المطلبي- السياسي.

وثيقة استقلال إسرائيل

وجاء في البطاقة التعريفية لحراك “الرايات السود” عبر صفحته الرسمية، بأنه حراك يضُم “مجموعة من المواطنين والمواطنات المسؤولين والقلِقين على الديمقراطية في إسرائيل، بصرف النظر عن الدين أو العرق أو الجنس، هدفهم الحفاظ على ديمقراطية إسرائيل بروح وقيم وثيقة إعلان الاستقلال”.

لذلك يستخدم الحراك شعار “إنقاذ الديمقراطية” للتعبير عن نفسه، ويُميّز أعضاؤه أنفسهم من خلال “الرايات السود” المُستخدمة في الاحتجاجات بالإضافة إلى ارتدائهم للزّي الأسود. ويرفض ناشطو الحراك تعريف أنفسهم على أنهم حركة حزبية، مؤكّدين في الوقت نفسه أن الحراك يعتمد في تمويل أنشطته على تبرّعات الأعضاء والناشطين فقط، وفقاً لرواية قادة الحراك.

ويقود حراك “الرايات السود” تظاهرات مُستمّرة على مُفترقات الطُرق والجسور وفي مراكز المُدن الإسرائيلية المُختلفة منذ فترة، مُندّداً باستمرار “نتنياهو الفاسد” في منصبه كرئيس للحكومة ومُطالباً إيّاه بالاستقالة، بعد أن تم تقديم لائحة اتّهام بحقّه تتضمّن الفساد، الرشوة، وخيانة الأمانة من قِبل المُستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت.

ويرفع حراك “الرايات السود” شعارات تُطالب نتنياهو بالاستقالة والتنحّي عن منصبه من قبيل “نتنياهو فاسد” و”مال، حُكم، عالم سُفلي”، “بيبي ارحل”، “لن نستسلم حتى تستقيل” بحجّة أنّه لم يعُد مؤهلاً أخلاقياً لقيادة إسرائيل، إضافة إلى اتّهامه بتقويض الأسس والمبادئ والقيم الديمقراطية التي نصّت عليها وثيقة إعلان الاستقلال.

الأزمة الاقتصادية

ومع انضمام المُحتجّين المتضررين من الأزمة الاقتصادية التي أفرزتها موجة الانتشار الثانية لفيروس كورونا من عُمّال وحرفيين وتُجار إلى الاحتجاجات في الشارع خلال الأسابيع القليلة الماضية، أصبح حراك “الرايات السود” يتبنّى مقولة أن “هناك صلة مباشرة للفساد الحكومي بسوء إدارة الحكومة لأزمة فيروس كورونا” الأمر الذي عزّز من حضور هذا الحراك في الشارع الإسرائيلي ومكّنه من استقطاب العديد من المتظاهرين المُتضرّرين بفعل الأزمة، خصوصاً مع انضمام جيل الشباب لهذا الحراك مؤخّراً في مشهد غير مسبوق منذ عدّة أعوام نتيجة ارتفاع معدّلات البطالة.

وتطمح الناشطة في الحراك وإحدى المُنظّمين للاحتجاجات، شيكما شفارتسمان، بأن يتمكّن حراك “الرايات السود” من حشد مليونية أو مئات الآلاف من الإسرائيليين على الأقل، كما حصل في احتجاجات غلاء المعيشة عام 2011، لتحقيق هدفه المُتمثّل بإنقاذ الديمقراطية في إسرائيل من خلال إزاحة نتنياهو الفاسد عن الحكم.

وتعتقد شفارتسمان أنّ الجهاز القضائي الإسرائيلي ليس بمقدوره إنقاذ المواطنين بسبب الهجوم الذي يتعرّض له من قِبل نتنياهو وحاشيته، لذلك فإن الحل الوحيد يتمثّل في أن يُنقذ الإسرائيليون أنفسهم بأنفسهم من خلال الخروج للشارع والانضمام للاحتجاجات التي تتّسع للجميع بصرف النظر عن توجّهاتهم السياسية، على حدّ تعبيرها.

ويُؤكّد عضو الكنيست رام بن براك، من حزب “يوجد مستقبل” في حديث مع القناة 13 الإسرائيلية، أن إسرائيل تمرّ في وضعية غير مسبوقة من ناحية وجود مُعارضة ضعيفة وغير قادرة على التأثير في الكنيست، لكنّه يؤُكّد في الوقت نفسه أنّ نواب المعارضة في الكنيست سيدعمون هذه الاحتجاجات ويتبنّون مطالب المُحتجّين في حال تمكّنوا من حشد أعداد كبيرة في المُظاهرات التي يُنظّمها الحراك كما حصل في احتجاجات غلاء المعيشة عام 2011.

حركة اجتماعية واسعة؟

واستناداً إلى هذا التأطير، يرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية أنطوان شلحت، في مقال نشره المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، أن حراك “الرايات السود” لا يزال يحتاج إلى بعض العوامل حتى يتحوّل لحركة اجتماعية واسعة لديها مطالب واضحة ومُحدّدة. لافتا إلى أنه ما يزال يفتقد مسألة التنظيم والهوية المشتركة ويقدم مثالا على ذلك بالإشارة إلى كون “الرايات السود” أكثر الجهات تنظيماً مُقارنةً بالمُتظاهرين الآخرين الذي انضمّوا للاحتجاجات مؤخراً ولا سيّما أولئك الغاضبين من سوء إدارة نتنياهو لأزمة فيروس كورونا والمُتضرّرين من سلسلة الاغلاقات المُتكرّرة خلال فترة الطوارئ.

ويتابع شلحت: “ما زال المُتظاهرون غير مُتجانسين في موقفهم أو غير مُتّفقين على بعض القضايا، رغم اتفاقهم النسبي على المطلب العام للحراك والمُتمثّل بدعوة نتنياهو للاستقالة. وهذا يُمكن ملاحظته من خلال عدم وجود موقف واضح من قضايا مُحدّدة كالضم والاحتلال التي يربطها بعض الناشطين في الحراك بالفساد السياسي وسوء الإدارة الحاصلة في حكومة نتنياهو، وهو الأمر الذي لا يلقى تأييداً في معظم الأحيان من قِبل جميع المُتظاهرين نظراً لاختلاف توجّهاتهم السياسية”.

ما زال المُتظاهرون غير مُتجانسين في موقفهم أو غير مُتّفقين على بعض القضايا، رغم اتفاقهم النسبي على المطلب العام للحراك والمُتمثّل بدعوة نتنياهو للاستقالة

كما يشير شلحت إلى عدم تمكّن الحراك حتى الآن من وضع تحدّيات المواجهة أمام جهات ومؤسّسات الحكم في إسرائيل لعدم قُدرته ربّما على حشد أعداد كبيرة من المُتظاهرين المؤمنين بمطلب الحراك كما حصل في حراك “غلاء المعيشة” عام 2011 مثلاً، وكما حصل أيضاً مع حركة “الأمّهات الأربع” التي تشكّلت عام 1997 والتي وضعت تحدّي المواجهة أمام الجهات الحاكمة من خلال مُطالبتها بالانسحاب من جنوب لبنان، واستطاعت الحصول على تأييد فئات وقطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي آنذاك، قبل أن تنتهِي الحركة بعد أن تحقّقت مطالبها بالانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000.

ومع ذلك يقول شلحت إنه “لعلّ مُشاركة الجيل الشاب في هذا الحراك تُعطيه زخماً أكبر، وتُعتبر مؤشّراً إيجابياً أيضاً يُفيد بإمكانية استمرار الاحتجاجات في المستقبل القريب ما دامت الظروف الذاتية والموضوعية تسمح بذلك، خصوصاً وأن تفشّي فيروس كورونا على نطاق واسع قد يُشكّل عائقاً أمام قدرة هذا الحراك وقادته على حشد وتعبئة الطاقات في الشارع. وعليه، يُمكن القول إن التساؤلات بشأن مُستقبل الحراك وطبيعته ومساره تبقى مفتوحة وقابلة للتغيُّر بحسب المعطيات والظروف الراهنة والمُستقبلية المُتغيّرة بطبيعتها”.

ويخلص شلحت للقول: “ليس مبالغة القول إن وجود إسرائيل في الوقت الحالي تحت وطأة احتجاجات اجتماعية هو ما يحثّ على انطلاق آمال من طرف البعض بحدوث تغيير. وفي الوقت ذاته لا يمكن في هذه المرحلة التكهن بمحتواه وحجمه انطلاقاً من حقيقة بسيطة مؤداها أنه لم يفلح بعد في إيجاد تغيير جوهري لدى صناع القرار في إسرائيل، ولا على صعيد المفاهيم العامة السائدة في أوساط المجتمع الإسرائيلي”.

يشار أن رئيس لجنة المتابعة العليا داخل أراضي 48 محمد بركة دعا الفلسطينيين في حديث لـ “القدس العربي” قبل أسبوع لاستغلال الأزمة الاقتصادية العميقة في إسرائيل من أجل التخلص من الاحتلال بجعله مكلفا وغير محتمل في هذه الظروف.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2342227

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع اخترنا لكم  متابعة نشاط الموقع انتقاء التحرير   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

37 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 37

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28