نظرية التشكيك و”الإيمان المطلق” بالقضية الفلسطينية

الثلاثاء 30 تموز (يوليو) 2019 par ايمن حسين

سقوط فلسطين كان في مقدمة أسبابه غياب المساندة العربية، وشق الصف الوطني، وإنهاك الجبهة الداخلية، ولو كانت الظروف مواتية للعرب لدعم القضية الفلسطينية لكانت لفلسطين السيادة على أراضيها اليوم
تعالت الأصوات المشككة في العلاقات العربية البينية، خاصة عندما تكون فلسطين طرفًا مباشرًا أو غير مباشر، ورغم الاصطفاف الشعبي في الأقطار العربية مع القضية الفلسطينية؛ إلا أن حملات التشكيك بدأت من قمة الهرم إلى قاعدته، ومن النخب حتى تنتشر في الشعوب.
ويوم الأحد الماضي أصدرت الرئاسة الفلسطينية بيانًا وصفت فيه الأصوات التي تشكك وتتطاول على الأشقاء العرب بـ” النشاز” و”المشبوهة”، وقالت إنهم “وقفوا ويقفون دوماً داعمين لقضية شعبنا الوطنية ولصموده على أرضه”- بحسب البيان الذي نقلته وكالة الإعلام الفلسطينية وفا – وحذرت من تشويه تضحيات الشعب الفلسطيني وصورته وصورة أشقائه.
إن كانت حملات التشكيك “الممنهجة” تهدف لشق الصف الفلسطيني الداخلي وتقطيع أواصر العلاقات مع الأشقاء من أجل تغيير موازين القوى في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي؛ وحتى إن ظل القرار الأساسي لإحداث التغيير في موازين القوى بيد الفلسطينيين؛ لكنه يحتاج لظهير إقليمي ودولي سياسي واقتصادي واجتماعي ذي تقارب ثقافي، وهو الرأي الذي سبق وأن طرحه الكاتب الفلسطيني فايز كيالي – في مقاله المنشور بصحيفة الحياة تحت عنوان “بخصوص الحرب على غزة” في 5 أغسطس 2014م، وأنه يجب “إدراك الفلسطينيين أنهم وحدهم لا يستطيعون تغيير موازين القوى في صراعهم مع إسرائيل، في المجال العسكري، وأنهم، مع التقدير لتضحياتهم وبطولاتهم، لن يستطيعوا ترجمة ذلك إنجازات، من دون تغيير في المعادلات الدولية والعربية لمصلحتهم. وأن الأجدى لهم موازنة تضحياتهم ومقاومتهم مع ما يمكن تحقيقه، والبناء عليه، في معركتهم الطويلة والمضنية والمعقدة مع إسرائيل، إذ إن ذلك يضمن لهم تعزيز قدراتهم وتنمية مجتمعهم، وهذه مسألة ربما أكثر أهمية من مقاومة قوية مع مجتمع ضعيف ومستنزف ومرهق، ويفتقد المؤسسات وللإجماعات الوطنية”.
في اعتقادي أن نهج التخوين والتشكيك سيكون متبوعًا بحدث كبير، وينبع الاعتقاد من استقراء التاريخ، فمع نشوء إسرائيل كنتوء امبريالي في المنطقة تصاعدت مقاومة الشعب الفلسطيني ووصلت أوجها في الفترة بين عامي 1936م و1939م حتى أن لم تستثن قيام ثورة مسلحة ضد إعلان قيام إسرائيل، وفي الوقت الذي ظن فيه الفلسطينيون أنهم بصدد النجاح عندما دخلوا في إضراب استمر 6 أشهر، لم تكن هذه الخطوات سوى مرحلة “إنهاك” نفذها الإسرائيليون لتمزيق الشعب الفلسطيني عبر تشويه القيادة، وتفتيت الاصطفاف الوطني، حتى أينعت لها فلسطين وقطفتها في 1948م لتضع على الأرضع أسس جديدة في عملية الصراع.
النظام العربي السائد وقتها كان مشغولًا بالمقاومة والتضحيات الداخلية لمواجهة قوى الاستعمار، ولم يكن لديه الوقت والعتاد ليضع فلسطين على رأس اهتماماته؛ لكن عقب التخلص جزئياً من هذه العباء والقيود، وعندما تم اتخاذ قرار عربي موحد لدعم فلسطين في حرب 1948م كانت قد أنهكت داخليًا، وسقطت الجبهة الداخلية قبل أن تسقط جبهات القوات العربية المشتركة تواليًا، والتي كان آخرها القوات المصرية الأكثر صمودًا.
سقوط فلسطين كان في مقدمة أسبابه غياب المساندة العربية، وشق الصف الوطني، وإنهاك الجبهة الداخلية، ولو كانت الظروف مواتية للعرب لدعم القضية الفلسطينية لكانت لفلسطين السيادة على أراضيها اليوم، فرغم التضحيات والدماء التي ارتوت بها الأراضي الفلسطينية يبقى الشعب ودولته في حاجة للاندماج مع المنظومة العربية.
التضحيات الفلسطينية لا حدود لها، والشعب الفلسطيي رجال تجمعهم العزة والوطنية، لا يدخرون من أموالهم وجهدهم بلدهم، ولا يبخلون بالدماء على أوطانهم؛ وإن كانوا في حاجة للاصطفاف العربي معهم؛ إلا أن أكثر ما يريدونه من أشقائهم هو الإيمان المطلق بقضيتهم، واليقين بقدرتهم على إنهاء الاحتلال، بناء ثقة وطنية لتكون دستورًا للتعامل العربي معهم بدلًا من حملات التشكيك، فلم يكونوا يوماً بائعى أرض، ولا يقبلون المواءمة على الأرض والعرض؛ بل بات الجنين الفلسطيني يميز بين العدو والصديق وهو ما زال في بطن أمه.