] الضفة الغربية.. إلى أين؟ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الجمعة 21 كانون الأول (ديسمبر) 2018

الضفة الغربية.. إلى أين؟

الجمعة 21 كانون الأول (ديسمبر) 2018 par نواف التميمي

لا أحد في إسرائيل يتوقع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية، لكن أيّا من أصحاب القرار السياسي أو العسكري لا يملك إجابة عن مآل الأحوال مع استمرار حكومة اليمين الإسرائيلية بفرض شروطها على الأرض، بما في ذلك المزيد من الاستيطان والتهويد وقضم مزيد من أراضي الضفة الغربية. يستند الاطمئنان الإسرائيلي، في معظمه، إلى حُسن أداء الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ومستوى التنسيق الأمني بين هذه الأجهزة ونظيراتها الإسرائيلية. ومع ذلك، تُجمع الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية على أن الأحداث في الضفة الغربية المحتلة أخيرا تشكّل تحديًّا أمام قوات الاحتلال التي تسعى إلى ردع الفلسطينيين، مع تجنب انفجار أمني في الضفة الغربية. وتفيد التحليلات العسكريّة في أعقاب التصعيد الذي شهدته مدن الضفة الغربية، سيما رام الله والبيرة والقدس أخيرا، بأنَّ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تخشى كذلك أن يؤدي العقاب الجماعي لأهالي الضفة الغربية المحتلة إلى انفجار يطيح السلطة الفلسطينية، وهذا ما عبر عنه صراحة رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) الأسبق، داني ياتوم، عندما حذر من خطورة انهيار السلطة الفلسطينية، داعياً إلى التوقف عن ضم الأراضي الفلسطينية. والمفارقة هنا أن بعض القيادات الفلسطينية ترى في التصعيد الإسرائيلي استهدافاً للسلطة ورئيسها.
من دون الخوض في جدل توصيف ما تشهده الأراضي الفلسطينية من مواجهات مع الاحتلال، وإذا ما كان مجرّد ردود فعل فردية غير منظمة، أو أنها إرهاصات انتفاضة شاملة، فالأكيد أن هذه المقاومة الفتية ستُحرّك المياه الراكدة منذ سنوات في مستنقع الصراع العربي الإسرائيلي الذي استقر في قاعه احتلال شرس وغاصب، في حين طفت على وجهه سلطة فلسطينية بلا سلطة. دماء الشهداء الذين ارتقوا في الأيام الماضية قد تكون الحجر الذي يرميه الشعب الفلسطيني لتحريك المياه الراكدة، على طريق رفع الاحتلال الموغل في الدم الفلسطيني، ضارباً عرض الحائط بكل المبادرات السلمية، غير قانعٍ بكل التنازلات التي قدمتها منظمة التحرير الفلسطينية، وماضيا في سياسات الاستيطان والتهويد والتنكيل وتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية بالحواجز والجدران والحصار.
ولكن من الموضوعي الاعتراف أيضاً بأن دماء الشهداء لن تحقق طموحات الشعب الفلسطيني بالتحرّر وبناء الدولة، ما لم يُحدث الحجر الذي ترميه في المياه الراكدة هزّة في الساحة الفلسطينية الداخلية، المُثخنة بجراح الانقسام والفساد والترهل في كل المؤسسات السياسية التي لم تَعد تُعبر بأي شكل عن تطلعات الشعب الفلسطيني وطموحاته. صحيحٌ أن العدو الأول للفلسطيني هو الاحتلال الإسرائيلي، وصحيحٌ أن كل مقاومة يجب أن تكون ضد الاحتلال وقطعان مستوطنيه، غير أن إعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي لا تقل أهمية. والحقيقة المُرّة التي لابد من مواجهتها أن كل مقاومة فلسطينية ستظل عرجاء، وهي تتكئ على انقسام بين شطري الوطن، وتتنازعها أجندات فصائلية قاصرة، تجني ثمارها نخبة سياسية انتهازية، لم تقدم للشعب الفلسطيني إلا الخيبات المتتالية.
لن تجدي انتفاضة جديدة في وجه الاحتلال، ما لم ينتفض الواقع الفلسطيني الداخلي، وبموازاة كل حجر يُرمى في وجه عساكر الاحتلال، يُرفع حجر في بناء البيت الفلسطيني على أسس الوحدة الوطنية، وبقيادة وطنية موحدة، تعبر عن الإرادة الفلسطينية، وتقود العمل الانتفاضي تحت سقف برنامج مقاومة وطني، ينخرط فيه المجموع الفلسطيني. ما دون ذلك سيكون مجرّد تبرع مجاني بالدم، لن يستفيد منه إلا الاحتلال ورعاة التنسيق الأمني. لن تجدي أي مقاومة للاحتلال الذي يحاصر أسوار الوطن، بينما لا يزال الطرف الفلسطيني يتمسك بمسار سياسي عقيم لم يحصد منه الفلسطيني إلا علقم الانقسام، ومرارة الصراع على فتات مقيت من السلطة والامتيازات البالية. وفي مقابل ذلك، تقطف إسرائيل ثمار التطبيع، ورفع العلم الإسرائيلي في مزيد من العواصم العربية. ألم يحن الوقت لتنفيذ “تهديداتٍ” طالما أشهرها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في وجه إسرائيل، وأقلها استقالة السلطة الفلسطينية من موقعها الحامي للاحتلال، والعودة إلى الخندق الطبيعي في مواجهته.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 84 / 2331039

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 13

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28