] عامان على اغتيال الزواري؟ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الجمعة 21 كانون الأول (ديسمبر) 2018

عامان على اغتيال الزواري؟

الجمعة 21 كانون الأول (ديسمبر) 2018 par سفيان بنحسن

إن (إسرائيل) ستواصل الدفاع عن مصالحها، ومحمد الزواري ليس شخصا مسالما مرشحا لجائزة نوبل للسلام".
وردت هذه العبارات الوقحة على لسان مجرم الحرب، إفيغدور ليبرمان، في صحيفة يديعوت أحرنوت، بعد أيام من عملية الاغتيال الجبانة التي استهدفت مهندس طائرة أبابيل التونسي محمد الزواري في بلده.
يكاد لتصريح يكون اعترافا رسميا من وزير الحرب بمسؤولية الكيان المباشرة عن العملية، يضاف إلى تصريح سابق لأحد معلقي شؤون الإستخبارات الصهيونية، رونين بريغمان، على القناة العاشرة “اتهامات بعض الأطراف في تونس إسرائيل بالمسؤولية عن اغتيال الزواري لا تخلو من الصحة”، كان الاعتراف علنيا والاحتفال بنجاح العملية وعودة منفذيها إلى الديار المغتصبة، كان علنيا لكن في الجانب الآخر من الوطن العربي، وفي الأرض التي اعتاد الصهاينة دخولها آمنين من دون رد ومن دون احتفاظ بحق الرد، لا يزال المسؤولون فيها يبحثون عن الجهة المسؤولة من بين جمهوريات يوغسلافيا السابقة والنمسا وبلجيكا وسلوفينيا أو ربما جمهوريات المحيط الهادئ.
بدأت رحلته نحو فلسطين من ليبيا ومنها إلى السودان التي تمتع فيها بالإقامة والجنسية، وهو في بداية عقده الثالث في تسعينات القرن الماضي، ثم إلى سورية التي نهل منها ما صقل موهبته ونبوغه، قبل أن ينضم إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ويصبح أحد مهندسيها في مشروع تطوير طائرات بدون طيار.
لم يكن الزواري وهو ينتقل من دمشق إلى مصر ثم إلى داخل قطاع غزة يرنو إلى الموت حتف الأنف، وإنما كان يحمل روحه على راحتيه في كل خطوة يخطوها نحو “أبابيل 1”، كل يوم جديد كان نصرا مبينا له وفشلا للموساد والشاباك والحكام والعملاء، نجح في التخفي إلى أن ارتفعت أبابيل في سماء فلسطين، ووضعت الكيان الصهيوني أمام توازن رعب جديد، يأتي من الجنوب هذه المرة. لم يكن الزواري معلوما لدى الشارع العربي، لكنه يقينا لم يكن مجهول الهوية لدى العدو، ربما تمتّع بحس أمني عال، وربما أراد الله لمشروع الشهيد، نضال فرحات، أن يكتمل على يديه، وربما تفوقت أجهزة حماس وحلفائها في دمشق آنذاك في إخفاء أثره لتتعاظم أحلام أبطال القسام على يديه، قبل أن يوقفها عزف المزمار السحري الجاذب لجرذان الكون إلى دمشق، ليحيلوها خرابا وينفرط عقد “حماس” والأسد، ويختار الزواري، لأسباب لا تزال غامضة، العودة إلى تونس، وهنا كان الخطأ الأول والأخير للشهيد وربما للقسام أيضا.
طالما مثلت تونس ولعقود طويلة أرضا رخوة تكون فيها عمليات الموساد أشبه بنزهة آمنة، يتسابق إليها جبناء الضباط، فبين العدوان على حمام الشط سنة 1985 وتدمير حي سكني بالكامل، ثم اقتحام فريق إسرائيلي ضخم سنة 1988 منزل الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد)، واغتياله أمام أهله والإنسحاب بسلام يُطرح السؤال: هل الدولة التي تعد على الناس أنفاسهم وتسمع دبيب النمل في الأسواق وأصوات الأجنة في الأرحام وتطارد الأحلام عاجزة عن تصيّد خطوات قوة هائلة نزلت البحر وتوغلت برا، وأعدمت زعيما وغادرت دون الإلتفات إلى الوراء أم أنّ عين الرقيب على المواطن هي العين الساهرة على الغزاة، هل كان إختراقا أم تواطؤا؟
كانت تفاصيل اغتيال الزواري التي قدمتها الداخلية التونسية أخيرا أشبه بالسر الذي يعلمه الجميع، الأسماء والأحداث والتواريخ تداولها الناشطون قبل أن تتكرم الداخلية بتقرير ذكر كل شيء، ما عدا اسم القاتل الحقيقي، كأنها جريمة سطو، انتهت عرضا بقتل مواطن مجهول الهوية لدى الدولة وأركانها. حمل التقرير من الزيف ما يجعل معدوه في قفص الاتهام جنبا إلى جنب مع العدو الصهيوني، ويكفي في كل قوانين الأرض أن تتستر على جرم لتكون شريكا فيه، كان يكفي الاستماع إلى تقارير الإعلام الصهيوني لمعرفة اسم القاتل، وكان يكفي التواصل مع حركة المقاومة الإسلامية لمعرفة التفاصيل الدقيقة للعملية أو ربما حتى أسماء عملاء الصف الأول الذين رتبوا ودعموا أو موّلوا وكيفية الرد عليها باللغة الوحيدة التي تفهمها العصابة الصهيونية، كانت تكفينا الإشارة إلى نتنياهو وليبرمان ورئيس الموساد، تامير باردو، في تلك الفترة كقتلة ستتكفل الدولة بملاحقتهم حتى وفق ما يسمى “بالقانون الدولي”، أما أن يذكر التقرير في أكثر من موقع أن غالبية المتورطين هم من التونسيين، فهذا أشبه بقانون ساكسونيا الذي بموجبه كانت تقطع رقبة ظل المتهم، فيهوي الجلاد على رقبة الظل ويصفق الرعاع فرحا بتحقيق العدالة.
يقينا كان الزواري ينتظر قاتليه، وقد خبرهم سنوات وخبروه، هم لا يجيدون غير الطعن في الظهر وغير الهجوم على الأهداف المنعزلة، ربما كان شاهدا على هروبهم من غزة ومن جنوب لبنان وعلى مرحلة العجز التي أدركها الموساد في فلسطين المحتلة، كان واثقا أن رحلته في الحياة قد انتهت، فسعى كمن يداهمه الزمن إلى تلقين ما تيسر له من علم إلى ثلة من الشباب متعهدا لهم بمشروع الغواصة العربية المتحكم بها عن بعد، ربما كان سعيدا في لحظاته الأخيرة بإرتقائه شهيدا آخر في سبيل فلسطين، قادما من أرض ميلود ناجح نومة وعمران الكيلاني وغيرهما.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 73 / 2331723

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 16

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28