] الصلح مع اسرائيل بعد اليوم العاشر - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الجمعة 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018

الصلح مع اسرائيل بعد اليوم العاشر

بقلن: سامح المحاريق
الجمعة 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 par سامح المحاريق

سامح المحاريق

1 حجم الخط
هل اقترب تحقيق الصلح مع إسرائيل؟ إذ توجد مؤشرات جدية لتحقيق ذلك، فإنه لا يعني أن السلام يمكن أن يتحقق، فالسلام أمر مختلف عن الصلح، بما يعنيه السلام من حالة شعبية تستطيع أن تستقبل إسرائيل في المنطقة، وهذه الحالة غير مقبولة من المكونات المختلفة الأساسية للهوية السياسية للمواطن العربي، فبالنسبة للإسلاميين فإن سلاماً يعني ببساطة تفكيك نظرية دينية تقوم بالكامل على عدم قبول إسرائيل بوصفها مشروعاً يهودياً في منطقة من العالم، لا يمكن أن تتقبل التزاحم بين مشروعي الدينين.
القوميون بدورهم ينظرون لإسرائيل بوصفها العائق الأساسي أمام وحدة عربية رومانسية متخيلة، فهي وجدت من وجهة نظرهم لفصل الوجود العربي إلى مشرق ومغرب، ومع أن هذه الفرضية ليست صحيحة بالكامل، حيث أن مشاريع الوحدة أصلاً متعثرة بين الدول المتجاورة، كما أن مشاريع التعاون والتكامل سقطت الواحدة تلو الأخرى، إلا أن ذريعة إسرائيل تكتسب وجاهة كبيرة من الناحية المنطقية بالنسبة للتيار القومي، الذي ما زال على الرغم من كمونه يكتسب قوة تظهر في مواقف عفوية، يمكن أن ترصد في ردود فعل شعبية، ومع أنه لا يفترض شخصنة الأمور في محاولة التدليل على افتراضات تتعلق بالسياسة، إلا أن طفلي الذي لم يبلغ الثامنة من العمر أدهشني بتشجيعه للاعب مغربي لأنه ببساطة من المغرب، وهم هناك يتحدثون اللغة العربية، والفكرة مصدرها مدرسته ورفاقه من الأطفال، إذ أن المنهج التربوي الذي نتبعه في المنزل، كان يسعى لتأجيل أسئلة الهوية الدينية والقومية لحين نضوج فكرة الإنسانية، وهو ما لا يمكن أن يتحقق في سياقات ثقافية طاغية في المجتمع المدرسي الأكثر تعبيراً عن المجتمع العام.
التيار اليساري أيضاً يرفض إسرائيل، ويرتدي العباءة القومية، وحتى الدينية أحياناً في تحمسه لتجارب المقاومة ذات الطابع الديني في حزب الله وحركة حماس، ويبرر ذلك بتصنيفه لإسرائيل، منتجاً إمبريالياً صرفاً لا ينفصل عن الرأسمالية في أقصى درجات استغلالها وانتهازيتها، ومع أن اليسار يتراجع في تأثيره السياسي وقدرته على إنتاج حلول للمعضلات العملية على أرض الواقع، إلا أن مواقفه المعلنة المناهضة لاسرائيل ما زالت تكسبه كثيراً من التعاطف.
تتبقى في المشهد طائفتان، الأولى وهي الواسعة تتمثل في المواطن العربي العادي الذي ينتمي إلى رغيف الخبز، ومع أنه يجهل الكثير حول السياسية، إلا أنه يعرف حقيقة بسيطة تتمثل في أن اسرائيل مشروع استثماري لن يستفيد منه بشيء، لأنه يخاف أولاً من الاستثمار، ولأنه أدمن الخسارة، وحتى فئة لقمة العيش فإنها تبقى الفئة الأكثر خطورة، لأن مشكلتها هشة في جوهرها، فالفلسطيني نفسه الذي كان يقف في طابور للحصول على فرصة عمل بالمياومة، ولو في بناء الجدار العازل، كان يتصدى بصدره العاري لسيارات جيش الاحتلال.
الطائفة الثانية، صغيرة تشبه نادياً مغلقاً يوصف باستخفاف بأنه ليبرالي، أو يحاول أحياناً أن يقدم نفسه بهذه الصفة، مستغلاً ميوعة المفهوم في السياق العربي، واتساعه لكثير من التناقضات، وهذه الفئة ترى أن السلام ضروري، ولكنها تبقى في النهاية فئة محدودة، استطاعت أن تحقق مكاسب من مواقفها المهادنة، وابدائها المستمر للعب دور الوسيط، وهذه الفئة ستتضرر من الصلح المزمع مع اسرائيل، ولن تستطيع أن تحمل مشروعاً لسلام لا تريده إسرائيل، ولا تسعى له حقيقة، ففي النهاية استطاعت إسرائيل أن تحصل على جميع المزايا بدون أن تقدم شيئاً في المقابل، وعزلة اسرائيل في محيطها العربي لم تعد موحشة أو مخيفة. الصلح الذي يجري تحضيره تحت ستار السلام، ليس في جوهره سوى عملية هدنة طويلة، ستؤدي إلى انكشافات خطرة وواسعة النطاق لفئة الوسطاء وسيؤدي انتفاء دورهم لخروجهم من الحلبة التي ستترك خاوية أمام جمهور سيحاول الحصول على فتات الاستقرار السياسي، وهذه تحديداً لعبة تتقنها الشعوب، ومارستها كثيراً على امتداد التاريخ. عندما قدم زكريا تامر قصته القصيرة المؤثرة «النمور في اليوم العاشر» وصل القراء إلى نتيجة بأنه يمكن تدجين الشعوب كما النمور في يومها العاشر من الاستغلال، حيث رضيت بأن تتحول إلى حيوانات نباتية، إلا أن القاص السوري أوضح لاحقاً بأن قصته فهمت بصورة خاطئة، وأن اختياره للنمر كان مرتبطاً بطبيعة الحيوان التي يمكن أن تنقلب في أي لحظة، فيذكر في واحد من حواراته بأن قناصاً ببندقية جاهزة ومصوبة وراء حركاته تترصد النمر، وهو يقدم العروض المذلة في السيرك، وبالطريقة نفسها، فإن المكونات الخاصة بالهوية ترفض السلام وتجعله فعلاً مستحيلاً سواء عن منظومة وعي (دينية وقومية ويسارية) أو منظومة لاوعي تراه غير ضروري وواحداً من الأدوات التي دفعت مجموعات المتسلقين إلى تعميق أزمة العقم الاقتصادي والاجتماعي، واستحوذت على عدد أكبر من الأرغفة، واسرائيل لا تزاحم فقط في لقمة العيش فأصابعها الاستحواذية تسعى بين النفط والماء، ولا شهية للتنازل أو التراجع عن الحصة الاسرائيلية التي تزيد فداحتها مع تفجرات سكانية عربية، تقود العرب إلى حصص بائسة من المكونات الضرورية للحياة الكريمة.
الاستقرار السياسي مع إسرائيل تحت مسمى السلام الذي لا يعدو صلحاً ليس في مصلحة أي نظام عربي في المدى البعيد، والاستفادة هي لفئات تحتاج دعماً مرحلياً من اسرائيل وحلفائها، على أساس ما تقدمه من صورة تميل للسلام والاندماج في مشروع عالمي أوسع، ولكن هذه الفئات غير ذات الخبرة السياسية لا تدرك عملياً أن الصلح مع اسرائيل يحمل في داخله جملة من التناقضات، التي تهدد وجود الأنظمة العربية بأكملها، وفي مقدمتها الإحباط الذي يرتبط بوعود السلام التي تأتي مرتفعة نظراً لوجود حملات تسويق ساذجة ومكثفة، بأن السلام سيؤدي إلى دعم اقتصادي مباشر وكبير على سبيل المكافأة والتقدير، وهو الزعم الذي تدحضه بكل وضوح وصراحة تجارب (اتفاقيات) السلام التي أنتجت أوضاعاً اقتصادية أسوأ على الدوام.
ما يمكن تسميته بصلح سيعمق التباين بين الأنظمة والشعوب، وسيزيد من حالتين متطرفتين، تتمثل الأولى في حالة مبالاة زائدة من أطراف الهوية السياسية تستعرض بصورة متواصلة مجانية التهافت تجاه اسرائيل، والثانية، في حالة لامبالاة عامة من غير الحاملين للوعي السياسي، لأن الخطر الذي اعتادت الدول العربية أن تسوقه متمثلاً في اسرائيل، وهو القريب والواضح والمختلف، لم يعد بمجرد مهادنته خطراً وبالتالي فإن المطالبة بالالتزام ضمن مفهومه الكلاسيكي لتوحيد الصفوف الاجتماعية لن يتحول سوى إلى قصة، يمكن أن تحول عنوان «النمور في اليوم الحادي عشر» وهي قصة لا يمكن التكهن بتفاصيلها أو مساراتها. الصلح مع اسرائيل يعني ضمنياً إعلاناً لحرب على الذات، حرب في الداخل، وفي الصميم.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 34 / 2331039

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 27

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28