] حربٌ قُدّت من بشر - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأحد 7 نيسان (أبريل) 2024

حربٌ قُدّت من بشر

الأحد 7 نيسان (أبريل) 2024

- كمال خلف الطويل

ليس الحيّز هنا للحديث عن حدث 7 أكتوبر، بما هو عملية عسكرية فوق عادية، ولا عن تقييم مجريات الميدان مذّاك، وإنما لإلقاء نظرة طائر فوق مشهده الأسطوري السمات، والمحمّل بالدلالات. أُكثّف قسمات المشهد في العناصر التالية، وإنْ دون ترتيب مُدوزن: 1- أن الحدث قد انتوى جبّ ما بدا قبله من صيرورة جيوسياسية لاحت وكأنها لا تُقاوَم، ولا سيّما وقد حفلت بمدخَلات فلسطينية: أولها، حياكة واشنطن، مخدومةً بضغوط مالية وحصارية على غزة، تفاهماً إقليمياً - ببعدٍ فلسطيني - شمَل هدنة طويلة الأمد بينها – غزة – وبين إسرائيل، لقاء فك الحصار عنها، مصحوباً بتخفيف غلظة تعامل الاحتلال مع الأقصى، وإطلاق بعض الأسرى. ثانيها، حثّ الرياض الخطى على طريق التبرهم. وثالثها، الانفراج فالوفاق السعودي- الإيراني. على خلفية تلك الصيرورة انضاف ثابتان: ضِعة وهشاشة سلطة رام الله، خادمةً لأمن إسرائيل، وتجبّر اليمين الإسرائيلي الحاكم في ممارساته الصلفة، سواء في الحرم القدسي، أو لجهة الاستلاب الاستيطاني اليهودي في الضفة الفلسطينية، بما فيها القدس العربية.
2- تلواً، فقد تسبّب الحدث في تخريب بنيان منظومةٍ انهمكت واشنطن في تلزيق قطعها، أملاً في تلزيمها الإقليم، في إطار سعيها للتخفّف من أحمال مسؤوليتها المباشرة عن أمنها ومصالحها فيه. منظومةٌ، إسرائيل فيها واسطة العِقد، وحولها تكوكبت «دولٌ» لعرب «السنّة». وكمْ جهُدت واشنطن وما فتئت في محاولة ترميم ما تبعثر، وفي إخراج آثار التخريب ذاك من التداول، بأمل أن تعيد الحياة إلى مسار التبرهم، وعلى حساب زيارة جادّة لملفّ فلسطين.
3- أن ما جعل من محاولة الإنعاش تلك عصيّة على النجاح استمرار حرب غزة، من جهة، وركوب المستويين، السياسي والعسكري/ الأمني، الإسرائيليين رأسيهما في مسعاهما العاثر لقطع رأس «حماس»، من جهة أخرى.
4- أن الحرب بادية الانتماء لخانة الحروب الطويلة، مثَلُها كمثَل الحرب الأوكرانية، ما يعني أنْ ليس من استراتيجية خروج تسمح لأيّ من الطرفين بعدم الخسارة، نسبةً إلى الآخَر. لقد نصب «قسّام» حماس فخّاً لـ«تساهل» العدو في غزة، وأوقعه فيه. كان ردّ الأخير من صنفٍ لم تعهده حربٌ حديثة، وبسقف عال من الأهداف. لكنه خسر الرأي العام العالمي، والغربي بالأخصّ، وشطراً مطّرد الاتّساع من الأميركي في أخصّ الخصوص، جرّاء توحّشه في الحرب. ثم فشل في نيل تلك الأهداف، ما جعل من النكوص عنها والنزول عن السلّم برهاناً على خسارته الحرب.
5- أن أحوج ما يحتاج إليه «قسّام» حماس هو وقف الحرب وانسحاب الغازي وتدفّق الإغاثة؛ تفريجاً عن شعبه المكلوم في الأساس، وتوطئة لاستعادة ما خسر من قدراتٍ بعده. والحال أن تينك البُغيتَين براهين فوز له – القسام – بالقياس لما بعد 7 أكتوبر، وأدلّة انكسارٍ للعدو و«تساهله»، نسبةً إلى ما بعد القارعة. وبرغم أن تلك المقاربة تبدو، على السطح فقط، غريبة، إلّا أن هول الحدث جعل من أدوات القياس عضوية الصلة به.
6- أن استماتة إسرائيل في مسعاها لاستعادة طقس 6 أكتوبر وما قبله عسيرة النجاح، فحتى بافتراض خسارة «قسّام» حماس لألوف من مقاتليه فما لديه وما انضاف كفيل بإدارة حرب استنزاف مرهقة للمحتلّ إنْ مكث، سيما وشبكة الأنفاق في العون إيصالاً إليه حيث قابع. ثم إن تهشّم سمعة إسرائيل في العالم لحدّ أن باتت منبوذة من القاصي والداني جرّاء وحشيتها، مجتمعاً وجيشاً، بالغة الإفراط نحو، وفي، غزة، يأخذ من حنوّ الغرب الشعبي - ويحرج الغرب الرسمي - عليها بمقدار قناطير.
7- أن موقف واشنطن، بتحليل الحركة، ذو صلة وثقى بمشعر الكسب/ الخسارة. هي قائدة الغرب الجماعي، وقد قادَته فعلاً إلى الهرع لإنقاذ ركنها/ م الركين في الإقليم، إسرائيل، من ضربة لم تتلقّ نظيراً لها في حياتها، لتاريخ 6 أكتوبر 2023. لم تقتصر واشنطن وعُصبتها على تزويد العدو بالسلاح والذخيرة وقطع الغيار، ولا على معلومات الاستخبار، بل نزلت طواقم كوماندوس ومفارز استخبار على أرض غزة لتقاتل جنباً إلى جنب مع ربيبها الإسرائيلي في حرب «استقلاله الوجودية» الثانية، فضلاً عن تحريك أساطيلها وقواتها إلى جواره سنداً وغطاءً. وبرغم ذلك، فتحليل الحركة ناطقٌ بعثرات تحويل نصرة العدو إلى نصر له؛ أي أن الرهان على إعادة تمكينه من العدْو ركناً ركيناً للغرب الجماعي في الإقليم ليس متاحاً. وعليه، فتركُ الربيب عالقاً في حرب غير فائزة، ناهيك بعالي كلفتها على السيّد وبناته سمعةً ومصالحَ ومصير بنين وبنات حولنا، وصفة خسران فاضت عن عثرات الميدان.

وصف «المحور» ليس متّسقاً مع واقعه. هو ائتلاف متباين السماكة النسيجية بين أطرافٍ رفضت الهيمنة، الإسرائيلية منها والغربية، لكن وشائج بعضها بالآخر اقتصرت على رفضٍ لتلك الهيمنة غير مقترنٍ، بالضرورة، بسواه

8- أن «قسّام» حماس، في المقابل، وعلى عظيم توقه إلى وقف الحرب، نافٍ، بقطعٍ، لأية شبهة نكوص أو استسلام. هو آبه بعذابات شعبه، لكن كل ما جرى، لتاريخه، لا يدع مجالاً سوى للخروج من القارعة بسلامةٍ عنت دحراً لغازيه.
9- أن ترداد مقولة دخول شعوب أمة العرب في نفق مَواتٍ وسكناه لا يتعرّف على كمْ مغاير المستظهَر للمستبطَن، ولِما يخبّئ تحته من اعتمال يُرجَّح ألّا سبيل نفاذٍ له سوى العنف الضاري لجموعٍ من شباب أمة فتيّة، قاربت النصف مليار، علّمتهم حربٌ قُدَّت من بشر، في وعلى غزة، أن المحتلّ/ الغازي، والراعي/ اة شركاء في مقتلةٍ أنزلوها بغزة - فلسطين، ولا تُرَدّ عندهم إلّا بمثيل.
10- أن أشدّ ما أغاظ واشنطن وعُصبَتها قلبُ قوة مقاتلة «سنيّة» المائدة على ترتيباتها الإقليمية، مناقضةً بذلك طقس «الاعتدال السنّي» الرسمي المتحالف مع إسرائيل. بل وزاد ضغثاً على إبالة نوعٌ من ائتلاف لها مع طقس «شيعي» ممانع في الإقليم. وتينك لعمري من النواهي المحرّمة لدى واشنطن استحقّت عندها كل ضير للخارجين عن الناموس، وفي الطليعة «قسّام» حماس.
11- أن واحدةً من أهمّ سمات حرب غزة هي أنها كاشفةٌ للكلّ، صالحهم وطالحهم، ومُعرّية. لم تعد هناك من أوراق توت ولا أغطية ولا سواتر. الإمبراطور وربعه عراة في الحمّام. ثم هناك بعد ذو صلة: أن انقسامات المجتمعين الأميركي والإسرائيلي، والتي توفّرت على أسباب ذاتية كفت لإشعال فِتنٍ أهلية فيهما، انضاف عليها «مُفاعل» غزة، التي استُدخلت حربها نسيجياً في حشا الاثنَين، ليؤجّج فيهما ما فاض عن محض فِتنْ. دوام ذلك بات مقضيّاً، بما باتته فلسطين قضيّة داخلية في كليهما، سيما الأميركي الأهمّ.
12- أن من الكواشف فهم ماهيّة ومدى الدورين الروسي والصيني في شأن الإقليم. فالأول اكتفى بمحاولة إعاقة سياسية للجهد الأميركي فيه، سواء بالديبلوماسية أو بتظهير عروة علاقة مع «حماس»، وباعتقاد أن تلك حدود قدرته راهناً، من جهة، وأنْ ليس من داعٍ لمزيدٍ وواشنطن تغرق في أوحال الإقليم بما يحتّ من قدراتها بعموم. أمّا الثاني، فقد تمسّك بأهداب نهجه الانتظاري/ السكوني مكتفياً ببعض تمظهر ديبلوماسي وعلوٍّ في نبرة تأييد لفظي لفلسطين، وتشاركٍ مع صنوه الروسي في التلذّذ في ورطة الخصم الأميركي في غرب آسيا، واكتفى بذلك القدر. خلطةٌ من ذلك كله بدا عليه موقف تركيا، مع خشونة لفظية وردع استخباري داخل حدودها. بسقفٍ كذلك تثبَّت أن ناتويتها سمت فوق أي رباط آخر. والحال أن توازن القوى بين الولايات المتحدة وناتوها وبين ما دعته بالمحور المضاد (روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران وسوريا والمقاومات) ما انفكّ طابشاً نوعاً ما لمصلحتها. لكن الاستنتاج ذاك غير صالح للاستدامة حين لحظ محدودية القدرة الأميركية على ضبط إيقاع الإقليم على نوتتها، لا نسبةً إلى خصومها ولا حتى إلى أربابها. التحليل بالحركة يؤشّر على تراجعٍ جارٍ لها وإنْ لم يتصاحب بتوازٍ مع ارتفاع قدْر الخصوم بعد.
13- أن وصف «المحور» ليس متّسقاً مع واقعه. هو ائتلاف متباين السماكة النسيجية بين أطرافٍ رفضت الهيمنة، الإسرائيلية منها والغربية، لكن وشائج بعضها بالآخر اقتصرت على رفضٍ لتلك الهيمنة غير مقترنٍ، بالضرورة، بسواه. ثم أن الوزن النوعي للائتلاف لم يصل ردعياً إلى حدّ التساوي مع ردعية إسرائيل له (هو ردعٌ متناظرٌ غير متساوٍ)؛ وعليه، قدرتها المستدامة على الضرب جواً في سوريا لِما ناف عن ثلاثة عشر عاماً، ولمدّ اليد إلى الداخل الإيراني تفجيراً واغتيالاً لزهاء ذات المدّة، ولتهيّب إيران من الانتقال من العتبة النووية إلى التسلّح النووي.
14- أن حديث الحاجة إلى «وحدة وطنية» فلسطينية يغفل استحالة الجمع بين نهجين متناقضين في الساحة الفلسطينية ومحيطها: المقاوم والمساوم. أقصى الممكن، لذا، هو عدم إيذاء واحدٍ للآخر؛ وأول متطلّبات ذلك خروج سلطة رام الله من طقس ترتيبات أوسلو قولاً واحداً.
15- أخلص إلى القول إن حرب الأشهر الستة، لتاريخه، أثقل وقعاً على العرب، حالاً ومآلاً، من كل سابقاتها؛ من أول نكبة 48 ولتاريخه. هو تاريخ فارق تحمله الأمة على ظهرها حتى يوم فرقان.

* افتتاحية عدد نيسان لمجلة «المستقبل العربي»

** كاتب عربي


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 102 / 2332414

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات وقضايا   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

52 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 53

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28