] الفوضى في “الجيش” الإسرائيلي وتحقيق أهداف الحرب - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الأربعاء 28 شباط (فبراير) 2024

الفوضى في “الجيش” الإسرائيلي وتحقيق أهداف الحرب

الأربعاء 28 شباط (فبراير) 2024 par محمد جرادات

يشبه واقع “الجيش” الإسرائيلي، في ميدان الحرب على غزة، ما استقرت عليه حال وجه بطل مسلسل “فوضى” الإسرائيلي؛ عيدان آميدي، من تشظٍ وتشوّه، بعد رحلة علاجية طويلة، عقب إصابته البليغة وهو يقاتل ضمن قوات الاحتياط في غزة، وكان أحد العاملين في طاقم إنتاج المسلسل نفسه، ماتان مائير، الذي لقي مصرعه وهو يقاتل أيضاً في غزة ضمن قوات الاحتياط، التي تجاوز عديدها في بداية الحرب 300 ألف مقاتل.

بَيْن مسلسل “فوضى” الإسرائيلي، وأزمات قوات المستعربين النفسية في أجزائه الأربعة، والتي سلط المسلسل الضوء على تداعياتها الشخصية والميدانية، وعبّر عنها بـ“الفوضى”، وبين ما خلفته قوات الاحتياط بعددها الهائل (60 ألفاً من المرتزقة من جنسيات عالمية مختلفة)، ضمن “جيش” تجاوز عدد قواته النظامية 155 ألفاً، انتشرت غالبيتهم في بقعة جغرافية محدودة؛ غزة، ثمة مشتركات جوهرية في التعبير عن مستوى الفوضى التي تكرست إسرائيلياً عقب هزيمة السابع من أكتوبر.

مرت على الحرب أربعة أشهر ونصف، حتى اضطر اللواء في احتياط “جيش” الاحتلال، إسحاق بريك، إلى الكشف عن تردي الأوضاع القتالية نتيجة أزمةٍ تعيشها وحدات “الجيش” الإسرائيلي في قطاع غزّة، مؤكّداً لصحيفة “معاريف” الإسرائيلية، وجود ما سمّاه فوضى عارمة لا يتم الحديث عنها في وسائل الإعلام، وأنّه منذ بداية الحرب تلقَّى العديد من الشكاوى من الجنود الذين يقاتلون في القطاع، مُشيراً إلى أنّ الشكاوى تعلّقت بتعطل المعدات ونقصها، وأزمة في الخدمات اللوجستية والغذاء، ووجود عشرات الدبابات العالقة في انتظار سحبها.

وشدّد اللواء بريك، على أنّه سبق أن حذّر رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، من هذه المشكلات التي يواجهها “الجيش” قبل بدء العمليات البرية في قطاع غزة، وقد التقاه ست مرات، لكن طواقم نتنياهو كانت تحول دون أن يصغي إلى مخاطر الفوضى هذه، مُضيفاً أنّ كل ما يلزم نقله إلى الأمام لا يعمل بشكل جيد لأن “الجيش” استعان بشركات خاصة خارجية للقيام بهذه المهمات، مرجعاً ذلك إلى وجود جنودٍ لم يتدربوا منذ خمس سنوات، في ظل تواصل تصدي المقاومة الفلسطينية للقوات الإسرائيلية المتوغِلة عند محاور التقدّم كافة، وقد أقرّ أنها لا تزال تسيطر على القطاع، ولديها الأسلحة وعشرات الآلاف من المقاتلين.

وكان “جيش” الاحتلال اعترف قبل شهر ونصف، أن خُمس قتلاه في غزة، من الذين كشف عنهم مضطراً، سقطوا نتيجة هذه الفوضى العارمة في وحدات “الجيش”، من بينهم 20 جندياً قتلوا في حوادث مختلفة، 13 من جراء إطلاق نيران صديقة، قتيل واحد نتيجة انحراف النار لرصاصة طائشة، وستة جنود قتلوا في حوادث مرتبطة بوسائل قتالية، سلاح أو دهس، وبحسب تقديرات مختلفة في “الجيش” الإسرائيلي، يوجد أيضاً مئات الجنود الذين أصيبوا بنيران صديقة أو بحوادث عملياتية.

وفي وقت لاحق، أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن 29 من قتلى “الجيش” سقطوا بنيران صديقة، وما سمّته بالممارسات العملياتية المعيبة، قتل 18 بـ نيران صديقة، واثنان نتيجة حوادث حريق استثنائية، و9 آخرون بسبب حوادث، تمثلت في دهس جنود بدبابات إسرائيلية بالخطأ، وسقوط جدران على الجنود، أو أخطاء بالمتفجرات أثناء الاستعدادات للهدم.

ومصطلح “النيران الصديقة” يعني عسكرياً هجوم من القوات المسلحة على قوات صديقة أثناء محاولتها مهاجمة أهداف معادية، وقد يكون سببها في معظم الحالات الخطأ في تحديد الهدف أو إطلاق نار متبادل أثناء الاشتباك مع العدو، ومن العوامل الرئيسة التي قد تسبب وقوع حوادث النيران الصديقة التضاريس الصعبة والرؤية، وقد يصاب الجنود الذين يقاتلون على أرض غير مألوفة أو غير واضحة المعالم بالارتباك، لذلك قد لا يكون من السهل تحديد الاتجاه الذي تأتي منه نيران العدو، كما تضيف الظروف الجوية السيئة والإجهاد القتالي إلى الارتباك خصوصاً عند تبادل النيران.

ولمنع وقوع حوادث مماثلة، قدم “الجيش” حلولاً تكنولوجية مختلفة، مثل الطائرات من دون طيار المخصصة لتحديد مواقع القوات، وتمييز الحدود بين آلاف الجنود المنخرطين في واحدة مما عدّه أكثر مناطق القتال كثافة سكانية في العالم، كما أنه عمد إلى تخفيض عدد قواته في غزة تدريجياً، حتى وصل في منتصف هذا الشهر إلى أقل عدد منذ بدء الحرب، مع نقل كثير من هذه القوات إلى الجبهة الشمالية، لكنه عاد لاستدعاء كثير من قوات الاحتياط مع نيته المعلنة الهجوم على رفح، بما يعكس مدى التخبط في المستوى السياسي وانعكاسه على المستوى العسكري.

دفع واقع الفوضى هذا أهالي الجنود إلى بعث رسالةٍ إلى رئيس أركان “الجيش”، هرتسي هاليفي، وقائد الفرقة 98، إضافةً إلى عددٍ من القادة العسكريين، قالوا فيها إن أبناءهم في خطر واضح ومباشر بسبب الواقع العملياتي، وفقاً لما ذكرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، وعبّروا في الرسالة عن مشاعر صعبة لفقدان الثقة في إدارة الوقت والمهام وإحساس بانعدام الأمن والإحباط العملياتي الكبير، مشيرين إلى أنّ الجنود يقضون الأيام في انتظار تلقي المعلومات، وفهم ما إن كانت هناك خطة مستقبلية.

ويلخص عمق الفوضى في “جيش” الاحتلال ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن عملية احتيال قام بها الإسرائيلي روعي يفارح، بعدما انتحل صفة مقاتل في “جيش” الاحتلال وضابط شرطة، وسرق أسلحة وذخائر ومعدات عسكرية وشرطية، في عملية خداع انطلت على “جيش” الاحتلال لشهر ونصف، والمثير للدهشة هنا أن هذا المحتال الإسرائيلي البالغ من العمر 35 عاماً، ظهر في صورة التقطت مع نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت، ووصل الجندي الزائف إلى منطقة القتال في الجنوب وقدم نفسه زوراً في مناصب مختلفة، منها أنه مقاتل في الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب، وعضو في الشاباك وغيره.

تجلت تداعيات هذه الفوضى في “الجيش” الإسرائيلي، في عجزه عن تحقيق أيٍ من أهداف الحرب المعلنة على غزة، فلا هو نجح في استعادة أسراه لدى المقاومة، إذ جعلته هذه الفوضى يقتل ثلاثة من أسراه بعد تمكّنهم أو تمكينهم من الإفلات من قبضة آسريهم، كما لم يتمكن حتى الآن من إثبات ادعاءاته بتفكيك بنية المقاومة من بيت لاهيا شمالاً حتى خزاعة جنوباً، في ظل تصاعد عمليات المقاومة التي تطور تنظيم كتائبها وسراياها، وتنجز على الأرض وفي باطنها، ما يفاقم أزمة هذا “الجيش” ويدفعه إلى اليأس، وقد دخل في حالة انسداد أفق شاملة.

ويرتبط تحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية أساساً، بعوامل عديدة، لعل أهمها تنظيم بنية “الجيش” بما يساعده على استثمار هذا العدد الكبير، بعيداً من التكدس العددي، وهو تكدس ساعد، على سبيل المثال، في تحويل قذائف الهاون من سلاح ثانوي، إلى سلاح فعال في تشتيت تموضعات “الجيش” المستحدثة داخل القطاع، إضافة إلى خسارته أكثر من ثمانين جرافة D9 العملاقة، وهي المؤهلة للاستحداثات السريعة والواسعة، وهو ما دفع “الجيش” إلى شراءٍ مئة جرافة منها بشكل عاجل.

فوضى “الجيش” في أحلك لحظات الكيان التاريخية، وما سمّاه الجنرال غانتس حرب البقاء الثانية، تؤكد مدى الاضطراب العصبي الذي ما يزال يعصف به منذ السابع من أكتوبر، وفي ارتداداتها المباشرة، أفق رحب يتسع أمام المقاومة جنوباً وشمالاً لالتقاط أنفاسها رغم الوحشية التي تخلّف كوارث وسط المدنيين، ولكنها هي الأخرى تعكس أزمة الكيان النفسية، وعمق انحدار “جيشه” في آتون تخبط هو الأخطر من نوعه منذ تشكله.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 107 / 2330092

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

28 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 28

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28