] بايدن ونتنياهو: هل هناك خلاف حقيقيّ؟ - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الاثنين 19 شباط (فبراير) 2024

بايدن ونتنياهو: هل هناك خلاف حقيقيّ؟

الاثنين 19 شباط (فبراير) 2024 par ليلى نقولا

يتحدّث عديدون عن أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي ليسا على وفاق، وأنّ الإدارة الأميركية ممتعضة من الأداء الإسرائيلي في الحرب على غزة، وأنّ العلاقة بين الطرفين متوترة.

لكن اللافت في الأمر، أن المحادثة الهاتفية الأخيرة بين الرجلين والتي استمرت وقتاً طويلاً بحسب وسائل الإعلام، لم تعكس استياء بايدن من نتنياهو، ولم ينتقد الإسرائيليين في حربهم الخارجة عن القانون الدولي الإنساني وعن قواعد الحرب، بل منح الهجوم الإسرائيلي على رفح ضوءاً أخضر، بدليل محتوى البيان الذي أصدره البيت الأبيض عن المحادثة.

قال بيان البيت الأبيض إن “بايدن أكد وجهة نظره بأن العملية العسكرية في رفح لا ينبغي أن تتمّ من دون خطة موثوقة وقابلة للتنفيذ”. وأضاف أن بايدن أكد لنتنياهو “ضرورة وجود خطة، لضمان سلامة ودعم أكثر من مليون شخص لجأوا إلى رفح”. كما أكد بايدن “ضرورة الاستفادة من التقدّم في المفاوضات لإطلاق جميع الرهائن بأقرب وقت”، وشدّد على أن “هزيمة حماس وضمان الأمن طويل الأمد لإسرائيل هدف مشترك”.

هذا النص يؤكد بما لا يقبل الشكّ أن بايدن داعم كلياً للعمليات العسكرية الإسرائيلية، وأن الادعاءات الإعلامية حول خلاف وغضب بايدن من نتنياهو، ما هي إلا حملة إعلانية هدفها تبرئة بايدن من الدم المسفوك في غزة، وإظهاره أمام الجمهور الأميركي والعالمي بأنه غير موافق على ما يرتكب من مجازر.

ويحتاج بايدن إلى حملة العلاقات العامة تلك لأسباب متعددة، أبرزها:

1- التملّص من مسؤولية الهزيمة:

بعد مرور ما يقارب الخمسة أشهر على بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، لم يحقّق “الجيش” الإسرائيلي انتصاراً عسكرياً يحسب له حساب في ميزان المقايضة السياسية التي ستلي الحرب في غزة. وينقسم الإسرائيليون على أنفسهم، ويتبادلون الاتهامات بالمسؤولية، ويتحدّث “الجيش” الإسرائيلي أن هدف القضاء على حماس قد يحتاج سنة من القتال إن لم يكن أكثر.

وعلى هذا الأساس، يقوم بايدن بتغطية الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، لكنه لا يريد أن يتحمّل مسؤولية الهزيمة الاستراتيجية حين تحصل.

2- استطلاعات الرأي في الداخل الأميركي:

تعكس استطلاعات الرأي المتعددة في الولايات المتحدة الأميركية، تحوّلاً في اتجاهات الرأي العام تجاه “إسرائيل”، خاصة ضمن قواعد الحزب الديمقراطي.

منذ عام 2014، بدأ الشباب الأميركي يعكس تحوّلاً في نظرته إلى الصراع العربي الإسرائيلي، حيث بدأ هذا التحوّل يظهر في استطلاعات الرأي بمراكز مثل “بيو” Pew وغالوب Gallup، اللذين أظهرا اختلافاً في الرأي بين الفئات الشبابية والكبار في السن في موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث يميل الشباب إلى التعاطف أكثر مع الفلسطينيين.

وبعد حرب غزّة عام 2023 وانتشار صور المجازر الإسرائيلية، وتأثير وسائل التواصل التي كسرت هيمنة واحتكار الإعلام الأميركي التقليدي الموالي والداعم بصورة مطلقة لـ “إسرائيل”، ظهر أنّ الغالبية من فئات الشباب والملوّنين والمسلمين والعرب المؤيدين للحزب الديمقراطي ترفض سياسة إدارة بايدن المؤيّدة بشكل تام لـ “إسرائيل”.

3- المنافسة الانتخابية:

كشف استطلاع حديث للرأي في الولايات المتحدة الأميركية، أجراه مركز بيو، أنّ “41% من الأميركيين يدعمون سياسات الحزب الجمهوري، في مقابل 31% يدعمون سياسات الحزب الديمقراطي”. وبالرغم من أن قضية فلسطين ليست هي المؤثّر على هذه النتيجة، بل أمور داخلية تتعلق بالاقتصاد والهجرة غير الشرعية، لكن الاحتمال يكبر بعودة ترامب إلى البيت الأبيض وفوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ومع هذه النتائج، يتزايد الحديث في الولايات المتحدة عن حالة الرئيس جو بايدن الذهنية والعقلية، ويدور جدل داخل قيادات الحزب الديمقراطي بشأن مصير الرئيس بايدن كمرشّح للحزب، مع التيقّن بأن استمراره قد يسبّب هزيمة للحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة مقابل دونالد ترامب.

أمام هذه التحديات والتي ترتبط بأداء الإدارة الحالية وشخص بايدن وحالته، يحتاج الحزب الديمقراطي إلى كسب دعم وتأييد جميع فئات الحزب الديمقراطي، وإلا كان مصير بايدن في انتخابات الرئاسة هذا العام مشابهاً لمصير هيلاري كلينتون عام 2016، التي كانت مكروهة من شرائح واسعة من الحزب الديمقراطي والتي امتنعت عن التصويت لها، ففاز ترامب.

في النتيجة، لا يوجد أي خلاف إسرائيلي أميركي حول الحرب في غزة، وما زالت الإدارة الأميركية داعمة للحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، بل تريد أن تعطي نتنياهو الوقت الكافي لتحقيق أهداف الحرب التي أعلنها، وكلّ ما يحكى عن خلاف ما هو إلّا مجرّد حديث إعلامي يحتاجه بايدن في الداخل الأميركي، ولا يعوّل عليه.

لماذا يندفع الأميركيون لقيام دولة فلسطينية؟ـ
تتزايد التصريحات الغربية والأميركية الداعية الى حلّ الدولتين، واعادة مسار “السلام” بين الفلسطينيين و“الاسرائيليين”، وكان آخرها تصريح مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر ميونيخ، أن البديل الوحيد هو جعل “إسرائيل” وفلسطين تعيشان جنباً إلى جنب في “سلام”، وأن ذلك لن يتحقق بالوسائل العسكرية وحدها.
وأوضح بوريل أنه يتعيّن على الاتحاد الأوروبي أن “يدعم المبادرة العربية” التي تنص على قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، قائلاً: “علينا إنهاء الحرب في غزة، لكن لم يتحدث أحد كثيراً عن الضفة الغربية التي تشهد غلياناً وقد تنفجر”.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن قد صرح مراراً أن الأميركيين يسعون الى السير بحلّ الدولتين، وأن الادارة تعمل على إعداد خطة شاملة للسلام المستدام في الشرق الاوسط، والذي يؤدي الى إقامة دولة فلسطينية، ويحفظ أمن “اسرائيل”.
لماذا تريد إدارة بايدن السير بحل الدولتين؟
يسعى الاميركيون منذ إدارة أوباما الى تطبيق استراتيجية “التوجه نحو آسيا”، وذلك عبر القيام بترتيبات في الشرق الاوسط تحفظ استقراره والمصالح الأميركية فيه، وتخفيف الانخراط في الشرق الاوسط، للتوجه نحو منطقة شرق آسيا للتفرغ لمواجهة الصين ومنع الصعود الصيني العالمي.
وقد أدّت التطورات خلال فترة أوباما الثانية الى إعادة الانخراط الأميركي في الشرق الاوسط لمواجهة “داعش” ولمنع توسع النفوذ الروسي في المنطقة. أما في فترة بايدن الرئاسية، والتي تعتبر امتداداً لسياسة أوباما، فقد شهدت رهاناً على الاستقرار في المنطقة عبر اتفاقيات التطبيع وادماج “اسرائيل” مع دول المنطقة في مشاريع تنموية واقتصادية، تهدف الى مواجهة المشاريع الصينية وحفظ أمن “اسرائيل” عبر تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الدول العربية، خصوصاً الدول الخليجية.
لكن الاميركيين ومعهم الكثير من الغربيين والعرب أن السلام يمكن ان يتحقق بمعزل عن الفلسطينيين، ولم تكلف إدارة بايدن نفسها بوضع خطة سلام أو للحديث عن سلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين، لكن أحداث 7 اكتوبر كشفت ان هذا الرهان خاطئ.
وعليه، إذا كان الاميركيون يريدون أن يعودوا الى خطتهم الاساسية، باعتبار ان التهديد الجيوستراتيجي الصيني والروسي هما التهديدان الاكبر، فإن الاستقرار في المنطقة يحتّم اعطاء الفلسطينيين دولة والسير بعملية السلام قدماً الى الامام.
ويعتبر الاميركيون والكثير من اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية، أن عليهم أن يحفظوا اسرائيل من نفسها، وأن يحفظوا “أمنها” بطريقة مختلفة عن الاتجاه الذي تسير به “كدولة يمينية متطرفة تتسم بالسلطوية وتتخلى عن الديمقراطية، ومهددة بالعنف من داخلها وخارجها”... والحل الوحيد لذلك، برأي هؤلاء، يكون عبر السلام الذي يمنح الفلسطينيين دولة، ويعزز نفوذ “المعتدلين” فيها، ويجعل الشعب الفلسطيني يتخلى عن خيار العنف.
هذا التوجه الغربي يتوافق مع اتجاه عربي يدفع نحو تأسيس دولة فلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، فهل يكون عام 2024 عام يعترف فيه العالم بحقوق الفلسطينيين ويمنحهم دولة؟ قد يكون هذا الامر أقرب من أي وقت مضى.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 105 / 2330092

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 23

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28