] الطوفان وخسائر العدو والهزيمة - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
الخميس 28 كانون الأول (ديسمبر) 2023

الطوفان وخسائر العدو والهزيمة

الخميس 28 كانون الأول (ديسمبر) 2023

- شارل أبي نادر

تفرض المؤسسة العسكرية الإسرائيلية رقابة مشددة على نشر الرقم الحقيقي لأعداد القتلى والمصابين لديها، بهدف إخفاء خسائرها الفادحة التي تتكبّدها بمواجهة المقاومة الفلسطينية في غزة، ولكن من خلال المتابعة الموضوعية والدقيقة التي تصدر عن المقاومة الفلسطينية، أو من خلال التحليل الواقعي والحقيقي للمقاطع الحية من ميدان المواجهة، من أفلام ومشاهد ولقطات مصورة، والتي توثّق استهدافات هذه المقاومة لوحدات العدو، فإنّ حجم خسائر الأخير تجاوزت ما كان متوقعًا، ليس ما كان يتوقعه هو فقط، بل ما كانت تتوقعه المقاومة وحلفاؤها أيضًا.

صحيح أن ثقة المقاومة الفلسطينية وحلفائها بقدراتها ثابتة وموجودة بقوة، وصحيح أن التحضيرات لهذه المعركة لناحية البنية الدفاعية أو لناحية مستوى الأعمال القتالية وادارة المناورة الدفاعية للمقاومة، كانت مدروسة وكافية ومناسبة لسقوط عدد كبير من الخسائر للعدو في حال قرر اقتحام غزة وإحيائها - كما حصل ويحصل فعلًا - ولكن عمليًا، لم يكن أحد يتوقع أن يستمر العدو في حربه المجنونة كل هذه المدة الطويلة، والتي قاربت حتى الآن الثمانين يومًا، في الوقت الذي دائمًا كانت المدة القصوى لكل حروبه واعتداءاته، لا تتعدى الـ٣٣ يومًا - كما حصل في حربه على لبنان في تموز ٢٠٠٦ - إضافة إلى أن أهم بند من بنود عقيدته العدوانية (العسكرية) هو الحرب الخاطفة، والتي لا يستطيع تحمّل عكسها بتاتًا، خالفه بامتياز في هذه الحرب الطويلة.

فما هي أسباب سقوط هذا العدد الكبير من الخسائر في الأرواح ومن المصابين لدى العدو؟ وما هي الأسباب التي تجبره على تحمّل هذا الحجم الضخم من الخسائر حتى الآن؟ والتي وصلت الى مستوى غير مسبوق من القتلى والمصابين بين ضباطه وجنوده، والتي كانت دائمًا خطًا أحمرَ بالنسبة إلى المجتمع الصهيوني بكامل طبقاته ومكوناته، وخاصة بالنسبة إلى السلطة أو للمعارضة على حد سواء؟

لناحية أسباب هذه الخسائر الضخمة لدى العدو، يمكن ومن خلال العودة سريعًا إلى بعض هذه الخسائر في الساعات الأخيرة، حيث اعترف العدو بنفسه بسقوط ١٤ قتيلًا من الضباط والجنود، وهذا العدد طبعًا هو أقل بكثير من العدد الحقيقي، يمكن الإشارة إلى مقطع منقول عن صحافي في إحدى وسائل إعلام العدو، يبين تفاصيل بعض قتلى العدو وطريقة سقوطهم، حيث جرى توثيق المقطع الآتي:

قال مراسل الشؤون العسكرية لموقع “واينت” الإسرائيلي يوآف زيتون، إنّه: “خلال الـ 24 ساعة الأخيرة، قُتل 13 جندياً، منهم 8 خلال الساعات القليلة الماضية، وهم 4 من اللواء السابع قُتلوا بقذيفة”آر بي جي“استهدفت ناقلة جند مصفّحة من نوع”ناميرا“من مسافة صغيرة في خان يونس جنوبي قطاع غزّة، وأما الجنود الأربعة الآخرون، قُتل اثنان منهم خلال استهداف سيارة”هامر“كانوا يستقلونها بعبوةٍ ناسفة كانت مزروعة إلى جانب الطريق، مع العلم أنّ هذه هي المرّة الثانية التي يُستهدف فيها”هامر“خلال أسبوع، والقتيلان الآخران قُتلا بعد تفجير بيت مُفخخ من قبل المقاتلين الفلسطينيين قرب النصيرات وسط قطاع غزّة”.

انطلاقًا من معطيات الصحافي الإسرائيلي المذكور “زيتون”، فإن إحدى أهم أسباب هذه الخسائر الضخمة للعدو أن وسائل المقاومة التي أسقطت قتلى العدو المذكورة تتعدد ضمن مروحة واسعة من الأسلحة الفتاكة، بين القاذفة “م.د ار بي جي” وبين العبوة الناسفة الموجهة على طريق وبين تفجير منزل بعبوة مفخخة، يُضاف إليها وسائل أخرى، تفعل فعلها في الميدان بامتياز، مثل القاذفة ياسين ١٠٥ مضادة للدروع أو الياسين ضد التحصينات أو ضد الأفراد، أو القاذفة “تاندوم” ضد الآليات وضد الأفراد أو مثل العبوات البرميلية أو التلفزيونية وغيرها من عبوات من صناعة القسّام أو من صناعة سرايا القدس. وكل هذه القدرات الفتاكة تفرض نفسها في الميدان وتحت عنوان “فتاكة” لأنها تُستعمل في كل جغرافيا التوغل الإسرائيلي، أي في كل مناطق ومدن ومحاور وأحياء القطاع، والأهم من كل ذلك لأنها تُستعمل بشراسة مقدسة قل نظيرها، وبالتزام إيماني فاق كل التوقعات، بمواجهة عدو قوي ومجهز بأحدث الأسلحة المتطورة، ويمارس أعنف مستوى من التدمير الحاقد والفاقد للإنسانية والمتخطي لكل قيود القوانين الدولية والإنسانية وقوانين الحرب، تدميرٌ لم تشهده حرب في التاريخ، ولم تشهده منطقة في العالم.

أما لماذا يتحمّل العدو هذه الخسائر الضخمة في أرواح ضباطه وجنوده أو هذا العدد الكبير من المصابين والمعاقين بين عسكرييه، فيعود ذلك إلى أنه دخل في مستنقع الهزيمة غير المتوقعة، وانسحابه اليوم منه، كمن يطلق رصاصة في رأسه، وأي تراجع من دون تحقيق أهدافه من الحرب من إنهاء بنية حماس العسكرية وتحرير الأسرى بالقوة، أو على الأقلمن دون تحقيق ولو إحداها- حيث لم يتحقق أي منها حتى الآن- سيكون كارثيًا على موقفه وعلى موقعه، خاصة أن القيمين على حربه الإجرامية التدميرية اليوم من وزراء في حكومة أصوليين متشددين، وعلى رأسهم نتنياهو، سيكون مصيرهم المحاكمة لأنهم سببوا ما سببوه للكيان من أهوال لم يشهدها تاريخه، وسيكون مصيرها أيضًا الزوال من الحياة السياسية في الكيان.

من هنا، تهرب حكومة العدو إلى الأمام في حرب مجنونة خاسرة، وتعمل على إبعاد اليوم الذي تنتهي فيه هذه الحرب، ولأطول مدة ممكنة. ومن هنا أيضًا، تتدحرج خسائر العدو بشكل هستيري في مسار قاتل، لن تكون تداعياته سهلة عليه بتاتًا بعد انتهاء هذه الحرب، والتي لا بد وأن تنتهي عاجلًا أم آجلًا.

- المستوطنون وجيش العدو: حلقة هزيمة مفرغة

ليلى عماشا

لطالما انقسم عالمنا هذا بين فرقتين: فرقة تستهيب العدو، فيرهبها ويهزمها قبل أن يطلق النار حتى، وأخرى ترهبه وتهزمه بالرغم من تفوّقه العسكري وعتاده الثقيل ووحشيته التي لا تعرف حدودًا، وتمرّغ بأنف هيبته المزعومة بالتراب!

وإن كان خطاب “العين لا تقاوم المخرز” قد وجد طوال عشرات السنين آذانًا تصغي وعقولًا تصدّق، فقد بدأ بالتدهور منذ العام ٢٠٠٠، وتزايدت وتيرة تدهوره سقوطًا منذ ٢٠٠٦، لتبلغ أقصى سرعتها انحدارًا منذ ثلاثة أشهر تقريبًا إلى الآن، بالتزامن مع الانحدار السريع لهيبة العدو التي باتت محطّ استهجان أصدقائه حول العالم ومدعاة خيبة المستوطنين المسمّين زورًا بالمدنيين.

منذ السابع من تشرين الأول / أوكتوبر إلى الآن، تشهد صورة جيش العدو الاسرائيلي حالًا من التدهور السريع، والتي لا يمكن للصهاينة تداركها أو حتى العمل لاحقًا على تجميلها. وإن كان مشهد اندحاره عن قرى الشريط المحتل العام ٢٠٠٠ ومشاهد هزيمته في تموز ٢٠٠٦ في الجنوب وما يعادلها من مشاهد كلّ محاولة خوض قتال برّي في غزّة على مدى السنوات الأخيرة، قد كسرت من صورة “الجيش الذي لا يُقهر” وأسّست لتحطيمها، فما يجري اليوم حطّمها تمامًا، وعلى مرأى ومسمع كلّ أهل الأرض.
الأمر لا يتعلق فقط بالفشل الأمني والاستخباري والعسكري إزاء بداية طوفان الأقصى في السابع من تشرين، بل بكل الأحداث التي جرت منذ ذلك اليوم، وفضحت أمام الجميع، ولا سيّما الخاضعين لوهم القدرات الصهيونية، هزال جيش الكيان، والذي لا يزيده ارتكاب المجازر الوحشية سوى ضعفًا وسقوطًا.

بداية، ليس هناك تقسيم حقيقي بين “عسكري” و“مدني” في الكيان الصهيوني. ولا يمكن الحديث عن موقف المستوطنين “المدنيين” وكأنّهم حال اجتماعية طبيعية ينفصل وجودها ودورها عن الجيش. بكلام آخر، حين نسمّي الكيان المؤقت بالهجين، يعني أنّنا ندرك أنّ المجتمع الذي يتشكّل منه هو مجتمع وهمي لا يمكن مقاربته كما لو أنّه مجتمع طبيعي نشأ وتطوّر في ظروف طبيعية. وحين نقول ونؤمن إنه لا وجود لمستوطنين “مدنيين” بالمعنى المعلوم لكلمة “مدني”، يعني ألّا نفرق بين مستوطن يخدم في الجيش المحتل، وآخر يعمل في أيّ مؤسسة أخرى تابعة للكيان. فالاثنان مسلّحان، مدرّبان على القتل، قتلنا، ومبرمجان على العيش داخل وهم أن لهما على هذه الأرض حقًّا بالعيش وبالأمان.

ينقسم المستوطنون اليوم إلى عدة فئات، لا يجمع بينها سوى خيبتها الكبيرة بالجيش الذي توكل إليه مهمة حمايتها وتأمين استقرارها على الأرض المحتلة:

فئة تحقد على الجيش الذي عجز عن أداء مهامه، وتفكر بالهجرة أو هاجرت فعلًا. أخرى تحاول تجميل خيبتها بالادعاء أنّها تعارض المجازر التي يرتكبها وتراه مجرد “قاتل أطفال” مع العلم أنّه يرتكب المجازر منذ نشأة الكيان، ما يجعل من هذه الفئة كاذبة أنها ببساطة تعارض قتل الأطفال اليوم لأنّه لم يعد يجدي نفعًا في الترهيب وكسر خيار المقاومة، وكانت ستؤازره بل وتشاركه حتى فيما لو عاد عليها هذا الخيار بما تشتهي من إلغاء لوجود المقاومة. فئة ثالثة وجدت أنها لا تملك سوى مؤازرة الجيش الذي عزّز تسليح المستوطنين في الضفة لمعاونته على قتل الفلسطينيين. وفئة، ما تزال غير مصدّقة أنّها وجيشها هزمت، وتمضي في الإنكار ناحية أقصى الوحشية فتدعو إلى المزيد من القتل والتدمير!


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2342879

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع اخترنا لكم  متابعة نشاط الموقع انتقاء التحرير   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 8

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28