عندما يصبح للسرقة «قانون»، فهذا يعني أن وقاحة السارق بلغت حداً لا يمكن وقفها بالوسائل العادية، أي بالدبلوماسية والمفاوضات، ليس لأن السارق لم يعد يتقيد بحدود أو زمن، بل لأنه أعلن تحديه لكل المبادئ والقيم والقوانين والأعراف الدولية. وعندما يصادق «الكنيست» الصهيوني على «تشريع» الاستيطان، بما في ذلك البؤر العشوائية، فإنه لا يقر سرقة الأراضي والأملاك الفلسطينية فحسب، وإنما يشهر سيفه في وجه المجتمع الدولي في ظل دعم وحماية الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب.
ليس الاستيطان، بحد ذاته، هو موضوع قانون «الكنيست» الجديد، فلصوص الأرض لم يتوقفوا لحظة عن المصادرة والاستيطان منذ وطئت أقدام الصهاينة أرض فلسطين، بقوانين أو من دون قوانين، وفلسطين كلها تعتبر أكبر سرقة لوطن، أرضاً وشعباً، في التاريخ الحديث، وإن كانت وتيرة هذا الاستيطان زادت أضعافاً مضاعفة بعد الاحتلال الصهيوني عام 1967. لكن «تشريع» سرقة الأرض الفلسطينية على هذا النحو الفاضح، يمثل إمعاناً لا حدود له في تحدي العالم والقرارات الدولية، ويحمل أبعاداً تتجاوز «البؤر العشوائية»، وحتى القوانين التي وضعها الاحتلال لنفسه، إلى التأكيد بأن كل شيء أصبح مباحاً لقطعان المستوطنين، وإن قرار مجلس الأمن 2334 الذي مررته إدارة أوباما قبل رحيلها ليس أكثر من حبر على ورق، ما يعني، في النهاية، التمهيد لضم الضفة الغربية إلى الكيان، والعودة بالأمور إلى ما قبل المربع الأول، أي إلى حالة النفي وعدم الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني.
وكما يدرك الجميع، فالقرار الاستيطاني لم يكن بمعزل عن مواقف إدارة ترامب، الداعمة للاستيطان والممولة له، وبالتالي فإن حكومة الكيان التي باتت تحظى بحماية تامة في مجلس الأمن والمحافل الدولية، لم تعد تأبه لبيانات الشجب والاستنكار، ولا الانتقادات الأوروبية، خصوصاً، التي كان يعول عليها الفلسطينيون كثيراً في فرملة الانفلات الاستيطاني، والإبقاء على بصيص أمل في إنعاش «حل الدولتين».
صحيح أن الدول الأوروبية بمجملها تعارض الاستيطان، ولكنها لا تفعل شيئاً جدياً لوقفه، فيما عدا بعض الإجراءات المتعلقة باقتصاد المستوطنات وما شابه، لكنها غير كافية لوقف هذا الانفلات الاستيطاني أو بعث التسوية من تحت الرماد. وإمعاناً في تضليل الرأي العام وصرف الانتباه الدولي، يذهب نتنياهو إلى لندن لتسليط الضوء على قضايا الإرهاب في سوريا والعراق والقضايا المتعلقة بإيران، للتغطية على جرائمه الاستيطانية. ولكن السؤال: هل تستطيع إدارة ترامب توفير الحماية للكيان وجرائمه الاستيطانية وجرائم الحرب التي يرتكبها بحق الفلسطينيين إلى ما لا نهاية؟
ربما يكون من المشكوك فيه لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها، ولكن السؤال قبل ذلك موجّه للفلسطينيين وما إذا كانوا قادرين على إنهاء انقساماتهم البغيضة والوقوف صفاً واحداً في مواجهة التحديات الجديدة والذهاب إلى ما هو أبعد من بيانات الشجب والاستنكار.
الخميس 9 شباط (فبراير) 2017
سرقة بحماية القانون
يونس السيد
الخميس 9 شباط (فبراير) 2017
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
23 /
2352741
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
13 من الزوار الآن
Visiteurs connectés : 13