تداول المثقفون العرب خلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، مقولة تنسب إلى القصيمي، هي أن العرب ظاهرة صوتية، والمقصود بها أن الكلام احتل حيز الفعل، وكفى الله العرب شر القتال. والقصيمي كاتب متمرد أعلن العصيان على كل شيء، وأصبح عدمياً في معظم أطروحاته التي حملت عناوين صادقة من طراز «صحراء بلا أبعاد»، و«عاشق لعار التاريخ» و«هذا الكون ما ضميره؟»، فهل كانت مقولة الكاتب تصدق عليه أيضاً، بحيث يتحول إلى ظاهرة صوتية صاخبة؟ أم أن ما مُني به العرب من هزائم وإحباطات متعاقبة خلق لدى بعض المثقفين ردود أفعال غاضبة وشاجبة، وكأن التاريخ قد توقف؟
بالطبع لم يكن العرب ظاهرة صوتية في مجمل حراكاتهم النهضوية والسياسية والثقافية منذ نهايات القرن التاسع عشر، وخاضوا حروب استقلال وقاوموا الاحتلال والانتداب والوصاية على اختلاف أشكالها!
لكن ما يسمى اللحظات الثقيلة والحرجة في التاريخ يختبر منسوب المناعة والإرادة لدى النخب أولاً، فهي ليست مجرد انعكاسات لما يحدث وكأنها أوراق في مهب العواصف.
والإفراط في هجاء الذات يصل أحياناً حدّ الإصابة بالماسوشية، أي استمراء الألم والبحث عن مصادره، وثمة فارق حاسم بين نقد الذات على طريقة المفكر الراحل صادق العظم وبين تقريع الذات وهجاء الأمة كلها!
ورغم كل ما يعج به واقعنا العربي من كوارث وآلام وتآكل، فإن هذا ليس كل المشهد، والإنصاف يتطلب ممن يناط بهم النقد الإحاطة بما هو إيجابي وواعد، ما دام هناك ملايين الأطفال الذين يولدون ومستقبلهم أمانة في أعناق ذويهم من البالغين.
وهناك أمثلة لا حصر لها عن دور المثقفين والنخب بشكل عام في تدارك ما تبقى، والتبشير بما يولد مقابل ما يموت، وأخطر ما في المقولات الشائعة من طراز العرب ظاهرة صوتية هو التقليل من شأن الكلام وفنون التعبير، فالكلمة أحياناً فعل خصوصاً إذا قيلت في أوانها، والعرب شأن كل الأمم يتكلمون ويصمتون، ويخطئون ويصيبون، ويهزمون وينتصرون، ومن حقهم دفاعاً عما تبقى لهم من حلم وأمل أن يقولوا للندابين: كفى نعيقاً!
الثلاثاء 17 كانون الثاني (يناير) 2017
خرافة الظاهرة الصوتية
خيري منصور
الثلاثاء 17 كانون الثاني (يناير) 2017
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
21 /
2351349
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
19 من الزوار الآن
Visiteurs connectés : 19