يونس السيد
يتزايد الحديث عن السياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة بعد انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وانعكاسات وصوله إلى البيت الأبيض، على القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني بشكل خاص، فهناك من يرى أن مجيئه يكرس سياسة الانحياز الأعمى والدعم المطلق للكيان الصهيوني، ويذهب البعض إلى الدعوة للتريث والانتظار، بسبب تصريحاته المتناقضة وقلة خبرته السياسية، لكن الجميع يتفق على غموض المرحلة المقبلة، وما على الفلسطينيين سوى الانتظار حتى رحيل أوباما.
أياً تكن الخيارات التي يتحدث عنها المتابعون، فإن المنطلق الذي تبنى عليه هذه التحليلات يعتمد نهجاً واحداً يرهن القضية الفلسطينية، وحتى قضايا المنطقة عموماً ببعدها الخارجي فقط، وتحديداً بمن سيحكم البيت الأبيض، مع إسقاط أو تغييب العوامل الذاتية، وهو نهج لا يخدم سوى المراهنين على التسويات لحل الصراعات الدائرة في المنطقة.
صحيح أن هناك تأثيراً كبيراً لا يمكن إنكاره للدولة الأقوى في العالم على مجمل هذه الصراعات، ولكن هذا التأثير لن يكون قدراً محتوماً لحسم الصراعات خلافاً لإرادة الشعوب، إذا ما جرى استنهاضها وبعث روح المقاومة لديها. فالقضية الفلسطينية، كمثال، كانت موجودة قبل مجيء ترامب، وستبقى بعد رحيله، وعلى مدار التاريخ لم يأت رئيس أمريكي واحد مؤيد لها، بل إن كل الرؤساء الأمريكيين، جمهوريين كانوا أم ديمقراطيين، يتنافسون في تقديم الدعم والولاء للكيان «الإسرائيلي» والحركة الصهيونية.
وإذا كان ثمة من يعتقد أن مجيء ترامب سيطلق عجلة الاستيطان بوتيرة أسرع، ومن دون أي اعتراض، أو يؤدي إلى نقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس، استناداً إلى تصريحاته المعلنة، فإن الاستيطان لم يتوقف في ظل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وكثير من الرؤساء الأمريكيين تحدثوا عن نقل سفارة بلادهم من «تل أبيب» إلى القدس. ومع أن هذا قد يحدث في عهد ترامب، إلّا أن المشكلة لا تكمن هنا، ففلسطين كلها تحت الاحتلال بما في ذلك المناطق التي تديرها السلطة بموجب اتفاق أوسلو.
المشكلة الحقيقية تكمن في ماذا أعد الفلسطينيون والعرب لمواجهة سياسات ترامب أو غيره ممن يحكم البيت الأبيض. المشكلة تكمن فيما إذا كان الفلسطينيون قادرين على إعادة ترتيب بيتهم الداخلي، وإنهاء الانقسام الذي ينخر جسدهم منذ سنوات، وتحصين جبهتهم الداخلية، وقبل هذا وذاك، إعادة الاعتبار لمشروعهم الوطني التحرري، وفي القلب منه مقاومة الاحتلال، وإسقاط الرهانات على التسوية، وعندها فقط لن تدخل القضية الفلسطينية في متاهة، وعندها أيضاً يمكن السير على طريق الحرية والاستقلال.