1-
ربما لم تسمح الامكانيات المحدودة لمؤسسة محمد عابد الجابري ان يتجاوز عدد المشاركين فيها الأربعين شخصية فكرية وسياسة واعلامية من المحيط إلى الخليج.. لكن محدودية الامكانيات لم تمنع ندوة “الحاجة إلى الكتلة التاريخية” من إن تكون ملتقى نوعيا يضم ممثلين لمختلف الوان الطيف الفكري والسياسي الفاعلة في الأمة العربية يسعون الي مراجعة عميقة وجريئة لاخطاء وخطايا وقع بها الجميع وسمحت لاعداء الأمة بالتسلل إلى داخل مجتمعاتها والامعان فيها تمزيقا وتفتيتا عبر جماعات الغلو والطرف والتوحش..
وحين يكون الاجتماع في الذكرى التاسعة لرحيل الجابري صاحب “نقد العقل العربي” لا بد أن يكون العقل حاضرا في اي تحليل، والعقلانية موجهة لأي تقييم بعيدا عن الانفعال، والعصبوية الضيقة، والانانيات المدمرة، فيكتشف كل منا فردا او حزبا او جماعة حاجته للآخر من أبناء الأمة… وهنا يكمن جوهر الحاجة إلى الكتلة التاريخية التي تشكل القضية الفلسطينية جوهرها الجامع كما اتضح اكثر من خلال الجلسة المخصصة لهذه القضية الفلسطينية والتي تحدث فيها ممثلون لمعظم الوان الطيف السياسي الفلسطيني الذي استمع لنداءات المشاركين بضرورة الانتهاء من حال الانقسام الراهن وهو الانقسام الذي سيكون المدخل الرئيسي لنجاح ما يسمى بصفقة القرن.
2-
ارتبط مفهوم “الكتلة التاريخية” نظرياً بالمفكر الشيوعي الإيطالي انطونيو غرامشي على المستوى الدولي، وبالمفكر العربي المغربي الدكتور محمد عابد الجابري، وبمركز دراسات الوحدة العربية وعلى رأسه آنذاك الدكتور خير الدين حسيب، على المستوى العربي والإسلامي، أما نضالياً فقد ارتبط هذا المفهوم بمعظم حركات التحرر في العالم من الصين (ماوتسي تونغ +تشان كاي تشك) في مواجهة الغزو الياباني، ستالين +الكنيسة الأرثوذكسية في مواجهة الغزو النازي، واليسار +لاهوت التحرير في مواجهة الديكتاورية والفساد في أمريكا اللاتينية، جبهة التحرير الجزائرية والحركات الوطنية في المغرب ومصر وسورية، والعديد من أقطار الأمّة، التي كانت تضم معظم ألوان الطيف الوطني في هذه الأقطار وغيرها وغيرها، حيث أمكن القول أنه حيث نجحت القوى المتعددة المشارب الفكرية والسياسية والاجتماعية في توحيد صفوفها وجهودها نجحت في تحقيق أهدافها، وحيث تصادمت أو تناحرت أو غلبت التناقضات الثانوية على التناقض الرئيسي تراجعت وفشلت…
من هنا تنبع الأهمية الفكرية والنضالية لندوة “الحاجة إلى الكتلة التاريخية” التي تنظمها مؤسسة الدكتور محمد عابد الجابري برئاسة المناضل ورفيق الدرب الطويل خالد السفياني في الرباط يومي 26 و 27 نيسان/أبريل 2019، وتضم مفكرين ومناضلين من مختلف تيارات الأمّة الفكرية والسياسية لتشكل برنامج رد على الهجمة الاستعمارية – الصهيونية المتمادية على أمّتنا العربية والإسلامية….ودعوة شاملة للحوار والمراجعة والمصالحة والمشاركة والمقاومةلإخراج الأمة كلها من حالات الانقسام والتشرذم والفتن التي تعيشها..بل حركة فكرية تسهم في إعادة الاعتبار لتغليب التناقضات الرئيسية على التعارضات الثانوية، والهويات الجامعة على الهويات الفرعية المغذية للانقسام والاحتراب الاهلي…
3-
في ندوة بعنوان “الحاجة إلى الكتلة التاريخية”، وبدعوة من مؤسسة المفكر المغربي الكبير الراحل محمد عابد الجابري للفكر والثقافة في العاصمة المغربية الرباط، التقى أكثر من 40 مفكرا ومثقفا ومناضلا من المحيط إلى الخليج يمثلون مختلف ألوان الطيف الفكري والسياسي العربي من قوميين وحدويين وإسلاميين مستنيرين ويساريين عروبيين وليبراليين وطنيين ليتدلرسوا سبل استئناف مشروع بناء الكتلة التاريخية التي تحدث عنها الجابري منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتبنى الدعوة إليها المشروع النهضوي العربي، الصادر في ٢٢شباط/فبراير ٢٠١٠ عن مركز دراسات الوحدة العربية، وما ارتبط به وتبناه من مؤتمرات ومؤسسات.
الفكرة بسيطة جداً وتقوم على ضرورة تلاقي تيارات الأمّة حول ثوابتها وإطلاق آليات العمل المشترك بينها على قاعدة “نعمل معاً على ما نتفق عليه، وليعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف عليه”، بل فكرة تقوم على ضرورة أن تقوم التيارات جميعاً بمراجعة شجاعة لتجربة كل منها في علاقته بالتيار الآخر فتسعى إلى تجنب ما انتابها من سلبيات وتطوير ما برز منها من إيجابيات والى تحرير كل الصراعات من البعد الأيديولوجي لأنه في كل معسكر سياسي نجد أطرافا ً متنوعة المشارب والانتماءات العقائدية.
وفكرة الندوة تقوم أيضاً على إعادة الاعتبار” للعقل” في إدارة العلاقات بين أبناء الأمّة وقياداتها وأقطارها، لاسيّما وأن الندوة تنعقد بدعوة من مؤسسة يرتبط اسمها بأحد أبرز الداعين إلى نقد العقل العربي.
