] من يرغب في إنقاذ غزة من الجوع فليوقف الحرب فوراً - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 9 آذار (مارس) 2024

من يرغب في إنقاذ غزة من الجوع فليوقف الحرب فوراً

السبت 9 آذار (مارس) 2024 par حسن لافي

نشر الناطق باسم “الجيش” الإسرائيلي ملخص تحقيق “مجزرة الطحين”، التي استشهد من جرائها أكثر من 100 فلسطيني وأصيب نحو 800 في شمالي قطاع غزة، إذ استهدفتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء تجمعهم للحصول على المساعدات عند دوار النابلسي جنوب غرب مدينة غزة، في انتهاك خطير للقانون الدولي الإنساني.

ورغم أن تلك المجزرة البشعة واكبتها موجة كبيرة من الإدانات والشجب والاستنكار الدولي والعربي والإنساني، فإن تحقيق “الجيش” الإسرائيلي كالعادة يبررها بأن تدافع الناس لاستلام المساعدات الإنسانية عرض جنوده للخطر، فأطلقوا النار بشكل دقيق باتجاه مجموعة من المشتبه فيهم اقتربوا من الجنود في بداية الأمر. ومع ازدياد تدافع الناس، أطلق الجنود النار لإزالة التهديد، بحسب التقرير.

بمعنى آخر، قاموا بإطلاق نار عشوائي على جموع السكان المجوعين بسبب السياسة الإسرائيلية، الباحثين عن حفنة من الطحين لسد رمق عوائلهم من الجوع.

كعادة الكيان، يقفز التقرير الإسرائيلي عن دور “إسرائيل” وجيشها في تجويع سكان غزة، وخصوصاً مناطق شمال قطاع غزة، ولا يذكر أنّ التدافع سببه الأول والرئيسي هو منع قوات “الجيش” وصول المساعدات الإنسانية إلى سكان شمال القطاع بالمطلق، الأمر الذي أدى بهم إلى طحن علف الحيوانات ليعدّوا به خبزاً يسكت به بكاء أطفالهم الذين باتوا يموتون جوعاً في القرن الواحد والعشرين على مرأى ومسمع من “العالم الحر”!

استخدمت “إسرائيل” مع سابق الإصرار والقصد سياسة التجويع الممنهحة كإحدى أدوات الحرب الشاملة التي شنها “الجيش” الإسرائيلي على غزة منذ بداية الحرب، فمنع دخول المساعدات الإنسانية، ودمّر البنى التحتية الحياتية الأساسية في غزة، من مخابز وآبار مياه ومستشفيات وغيرها من الأمور التي تعتبر ضرورية لاستمرار حياة الإنسان الفلسطيني. تنظر “إسرائيل” إلى سياسة التجويع على أنها فعل ضروري، بل وأخلاقي أيضاً، في حربها ضد غزة وأهلها من عدة نواحٍ، أهمها:

أولاً، انتقام جماعي شامل من جميع السكان في غزة، تحت عنوان أقنعت “إسرائيل” به نفسها، وهو أنه لا يوجد أبرياء في غزة، وجميع سكانها “إرهابيون”، نساء وأطفالاً وشيوخاً ومرضى، يجب محوهم من الوجود، كما عبّر عن ذلك نتنياهو عندما وجه كلامه إلى الجنود: “تذكر ما فعله بك عماليق” مرتين في بداية الحرب، وكأنه لا يعطيهم فقط قراراً سياسياً لإبادة الفلسطينيين ولكن أيضاً فتوى توراتية مستندة إلى سفر صموئيل الأوّل: “فالآن اذهب واضرب عماليق وحرِّموا كلَّ ما له، ولا تَعْفُ عنهم؛ بل اقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً، جملاً وحِماراً” (15: 3).

وبذلك، اعتبرت القيادة السياسية الإسرائيلية بكاملها أن الفلسطيني في غزة ذروة الشر الروحي والجسدي بناء على تلك المسوغات الدينية الثقافية التوراتية. وبذلك، بات القتل والتجويع والإبادة الجماعية فعلاً “أخلاقياً” بمسوغات دينية ثقافية لدى المجتمع الإسرائيلي وجنوده.

ثانياً، أسلوب قتالي عسكري، إذ ربط بين إدخال المساعدات الإنسانية لاثنين مليون ونصف مليون من سكان غزة بالاستراتيجية القتالية الإسرائيلية، فلمدة 6 أسابيع من عمر الحرب لم تسمح “إسرائيل” بإدخال السولار إلى غزة بذريعة أنه يستخدم في تشغيل أنفاق المقاومة.

وعندما تم إدخال الحد الأدنى منه، أقل من 3% من احتياجات القطاع، كان لهدف أساسي، هو منح “الجيش” الإسرائيلي مزيداً من الوقت من قبل المجتمع الدولي لاستمرار قتله الفلسطينيين في غزة، كما أوضح ذلك نتنياهو خلال مؤتمر صحافي في نوفمبر، بقوله إن “المساعدات الإنسانية ضرورية لضمان الدعم الدولي. من دونه، حتى أصدقاؤنا الجيدون سيواجهون صعوبة في دعمنا مع مرور الوقت”.

ثالثاً، كورقة سياسية ابتزازية للمقاومة في غزة للضغط عليها لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لديها، إذ نجد أن هناك ربطاً وثيقاً في التفاوض على صفقة التبادل بين إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، كما حدث سابقاً في صفقة التبادل الأولى، بل باتت هناك تظاهرات إسرائيلية تعرقل دخول المساعدات الإنسانية القليلة في الأساس إلى غزة عبر المعابر الإسرائيلية، مطالبين بوقف المساعدات حتى يتم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين في غزة. وهنا يفهم تحذير الرئيس الأميركي جو بايدن لـ“إسرائيل” من أنها لا تستطيع أن تستخدم ملف المساعدات الإنسانية لقطاع غزة “ورقة مساومة”.

رابعاً، أسلوب سياسي يدعم تحقيق أحد أهداف الحرب المركزية، المتمثل بجعل غزة بيئة عير قابلة للعيش فيها، من خلال خلق حالة فوضوية كبيرة بواسطة فقدان الأمن الغذائي للجماهير وتجويعها، وخصوصاً في مناطق شمال قطاع غزة، الأمر الذي تعتقد “إسرائيل” أنه سيسرع عملية إنهاء حكومة حماس تكتيكياً، لكونها لا تستطيع تقديم خدماتها الأولية للجماهير المجوعة إسرائيلياً في غزة وتهجير الفلسطينيين منها استراتيجياً.

وفي ظل عدم استجابة “إسرائيل” لمطالبات المجتمع الدولي بوقف الحرب، وعدم قدرة الأسرة الدولية على تشكيل ضغط حقيقي عليها لإجبارها على ذلك في ظل المشاركة والمساندة الأميركية لـ“إسرائيل” في حربها، وحضور الفيتو الأمريكي الدائم لمصلحة “إسرائيل” في مجلس الأمن وغيرها من المحافل الدولية، نجحت الولايات المتحدة الأميركية تحت إدارة بايدن بحرف النقاش الدولي من ضرورة وقف حرب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة إلى أهمية إدخال المساعدات الإنسانية للسكان في غزة، من خلال إعلان بايدن عن إنشاء ميناء مؤقت في غزة لإيصال مزيد من المساعدات الإنسانية بحراً إلى القطاع، وقبلها عمليات إنزال جوي للمساعدات على قطاع غزة، لتغطي عن جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، وتخدم بايدن في حملته الانتخابية، ناهيك باستخدام ورقة المساعدات الإنسانية كمدخل لترتيبات اليوم التالي من الحرب في غزة.

وهنا، تتضح حقيقة أن الضغط الأميركي على “إسرائيل” ليس إلا خلافاً بين الطرفين على طبيعة تلك الترتيبات والجهة التي ستديرها. لذلك، تسعى الولايات المتحدة الأميركية من خلال إدخال المساعدات لفرض أمر واقع معين يساهم في تكريس رؤيتها لليوم التالي للحرب.

إن نجاح دخول المساعدات الإنسانية -رغم أهميته- يزيح عن “إسرائيل كدولة” احتلال التزاماتها تجاه السكان في غزة، في حال نجح، ويمنحها كامل الوقت للاستمرار في إبادة الفلسطينيين في غزة، لكن في هذه الحالة تقصف العوائل الفلسطينية وتمحوهم الصواريخ المصنعة أميركياً من السجل المدني وفي بطونهم بقايا من طعام المساعدات الإنسانية بدلاً من قتلهم وهم يتضورون جوعاً.

لذلك، وبلا أدنى شك، إن ما يحتاجه الفلسطيني فعلياً هو وقف الحرب فوراً كحل جذري وسريع لمأساته الإنسانية، وليس فقط مجرد مشاريع لإدخال مساعدات إنسانية ذات غايات سياسية تخدم منفذيها.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 48 / 2330092

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 14

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28