] نظرية وحدة الساحات واختبار طوفان الأقصى.. الفعالية وآليات التفعيل - [صَوْتُ الإنْتِفاضَة]
السبت 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023

نظرية وحدة الساحات واختبار طوفان الأقصى.. الفعالية وآليات التفعيل

السبت 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023 par وسام اسماعيل

منذ اللحظة الأولى لانطلاق عملية طوفان الأقصى، وقف العالم مذهولاً أمام النتائج الأولية للعبور المقاوم نحو مستوطنات غلاف غزة، بحيث إن الانهيار الدراماتيكي لفرقة غزة، والفشل التام لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، شكلا عاملاً ضاغطاً على الكيان الإسرائيلي لناحية كيفية تلافي انهيار جبهته الداخلية من جهة، ولناحية موقف محور المقاومة، بحيث سبق له أن أوحى في أن استراتيجيته لوحدة الساحات تخطت إطار الترتيب النظري لتنتقل إلى مربع التطبيق العملي في مواجهة أي اعتداء إسرائيلي ضد أي طرف من أطراف محور المقاومة، من جهة أخرى.

وإذا كان الكيان الإسرائيلي حاول امتصاص الصدمة من خلال تبني أهداف غير واقعية وذات سقوف عالية، تبدأ بتحرير الأسرى ولا تنتهي إلا بكسر حماس ومحاولة إفراغ القطاع من الفلسطينيين عبر تهجيرهم إلى مصر أو توزيعهم على دول العالم، فإن محور المقاومة تعاطى بهدوء وواقعية، متنبهاً لحجم الحدث وتداعياته، ولمجمل سردية المحور وتحضيراته لما يَعُدّه معركته النهائية الكبرى.

ينطلق أول اختبارات وحدة الساحات من تقدير فعاليتها ضمن المسار الذي فرضه طوفان الأقصى، بحيث إن الإطار النظري كان يفترض تفعيل آلياتها ضمن إطار الدفاع عن أي ساحة من ساحات المحور في حال تعرضها لهجوم إسرائيلي مباغت يستهدف توجيه ضربة قاصمة إليها، أو القضاء عليها. وإذا كان المحور، حتى لحظة طوفان الأقصى، لم يعلن صراحة خططاً جاهزة لهجوم شامل ضد الكيان، أو لمواجهته في إحدى الجبهات، حيث يحصر تهديداته في إطار من الغموض وترك مساحة مربكة للتحليل لدى قادة الكيان، فإن ما قامت به فصائل المقاومة في غزة شكل مفاجأة، وخصوصاً مع إعلان قادة المحور في لبنان أو إيران أنهم لم يكونوا على علم بساعة الصفر التي تحدد لحظة الهجوم.

وعليه، برزت في هذا الإطار إشكالية مدى فعالية وحدة الساحات، بحيث أصرت التحليلات، وخصوصاً المناهضة لمحور المقاومة، على فشل أطراف المحور في ترجمة هذه المعادلة، انطلاقاً من أن العبور إلى غلاف غزة لم يفعل وحدة الساحات وفق مخيلاتهم، أي على نحو يشعل المعركة الكبرى بين أطراف المحور والكيان الإسرائيلي.

بالإضافة إلى ذلك، حاول الإعلام المناهض لمحور المقاومة أن يصوب على فشل المحور في كيفية عمل آليات التفعيل، بحيث افترض في رد فعل المحور نوعاً من التخلي عن المقاومة في غزة ضمن تحليل يفترض المفاضلة بين أولويات المحور. وبرزت منذ اللحظة الأولى لطوفان الأقصى تحليلات تركز على إمكان أن يكون التقدير لدى محور المقاومة افترض عدم الانجرار إلى الحرب المفتوحة، انطلاقاً من حسابات ربح وخسارة تتعلق بالساحتين اللبنانية والإيرانية، على نحو يُفسَّر على أنه تضحية بمقاومة غزة على مذبح مصالح الساحتين المذكورتين. وعليه، يُفترض محاولة تشريح تعقيدات معادلة وحدة الساحات حتى نُبين كيفية تفعليها وتقدير مستوى فعّاليتها في ظل هجوم عنيف لا يستهدف ردع المحور من خلال إظهار القوة، وإنما محاولة كسر إحدى حلقاته، كما يحدث في مواجهة فصائل المقاومة في غزة.

على الرغم من وحدة البناء الأيديولوجي الذي يشكل الإطار النظري لمحور المقاومة كمشروع يهدف إلى التكتل في مواجهة الكيان الإسرائيلي وإزالته، يبقى عدم الارتباط الجغرافي لأطراف المحور أهم الإشكاليات التي تواجه ساحات المقاومة المنتشرة عند حدود الكيان الإسرائيلي.

فإذا كانت الجبهة اللبنانية مرتبطة جغرافياً بسائر أطراف المحور عبر الجغرافيا السورية، حيث يشكل نظامها بيئة آمنة للمقاومة الإسلامية في لبنان، فإن الواقع في قطاع غزة يظهره معزولاً. فالجوار المصري، الملتزم التوجه الإسرائيلي لناحية إغلاق معبر رفح، أو على الأقل تقييد حركة المرور عبره، لا يشكل بيئة آمنة. فهو يخضع لحسابات معقدة ترتبط بالموقف المصري تجاه حركة حماس، وبعلاقة النظام المصري بالكيان الإسرائيلي وبالولايات المتحدة الأميركية، التي نجحت في ضبط سلوكه، ومن خلفه الموقف العربي، تحت سقف ما ظهر في قرارات مؤتمر القمة العربية الإسلامية الأخير في السعودية، بحيث أن إدانة الكيان باتت مستحيلة من دون إدانة العمل المقاوم.

وعليه، فإن إمكان التعاطي، وفق استراتيجية وحدة الساحات مع المقاومة في غزة، سيفترض تعقيدات إضافية لا تقل صعوبة عن التعقيدات التي يفرضها الكيان الإسرائيلي. تبرز في هذا الإطار إشكالية تبني الدول العربية مسارات أمن قومي تفترض رفضاً مطلقاً لخيارات المقاومة في تحرير أرضها، انطلاقاً من عدّ الدول العربية ساحة موحدة في مواجهة الكيان الإسرائيلي. وبالتالي، تصنَّف أي محاولة مقاومة للاستفادة من جغرافيا تلك الدول في إطار المهدد للأمن القومي، على نحو يستدعي تحركاً عنيفاً في مواجهته. بالإضافة إلى ذلك، ظهر واضحاً حجم الضغوط التي مارستها القوى الغربية على أطراف المحور من أجل تحييدهم عن المعركة الدائرة في غزة. وفي هذا الإطار، لم تجد الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلفها القوى الأوروبية، أي حرج في تهديد لبنان ودفعه إلى الضغط على حزب ألله. كما لم يحيد النشاط الدبلوماسي الأميركي الساحة العراقية أو اليمنية أو الإيرانية.

لذلك، يفترض عند مقاربة مشهد الساحات الانطلاق من تعقيدين أساسيين، أولهما البيئة المعادية، وثانيهما أن أكثرها قوى غير دولتية تراعي عند اتخاذ قراراتها مؤثرات جانبية تعقد مسارها. وإذا كان من الجرأة الإشارة إلى هذين التعقيدين، فإن تلك الإشارة لا تستهدف تبريراً في مواجهة من يصوب على وحدة الساحات لناحية فعاليتها، وإنما محاولة للانطلاق من هذه التعقيدات في مهمة التركيز على الإنجاز الذي تحقق في ظل طوفان الأقصى.

فعلى الرغم من الحصار المطبق على قطاع غزة نتيجة التزام الدولة المصرية تقييد الحركة في معبر رفح، والعمل على منع أي محاولة لتهريب الأسلحة إلى القطاع، فإن المقاومة الفلسطينية في غزة أظهرت حيازتها تقنيات وأسلحة نوعية وكمية لا يمكن للإنتاج المحلي في القطاع أن يتكفل بها كلها. وبالتالي، تظهر وحدة الساحات من خلال حرص المحور ونجاحها في مساعدة القوى المقاومة في غزة على تطوير بنيتها وخططها وترسانتها، وإمدادها بما تحتاج إليه من تقنيات وأسلحة ضرورية لضمان تفوقها في الميدان.

أما بالنسبة إلى آليات اتخاذ القرار على مستوى المحور، بحيث إن التضامن والتكافل والتنسيق فيما بين قواه تبقى أمراً طاغياً، تغيب وحدة القرار بسبب عدم وجود رأس واحد يديرها.

وبالتالي، فإن التركيز على إعلان المحور أن قادته لم يكونوا على علم بساعة صفر طوفان الأقصى والذهاب بعد ذلك في اتجاه فتح الجبهات عند الحدود الجنوبية للبنان وفي العراق واليمن وسوريا، وربط مستوى التصعيد بمآلات العدوان على غزة، من دون إيلاء أي أهمية للتهديدات الأميركية والغربية، يؤكد أن التفعيل تخطى عقبة الآلية الموحدة لاتخاذ القرار.

وإذا كان البعض افترض أن وحدة الساحات ستترجم معركة مفتوحة، فإن قدرة المحور على جعل المعركة مفتوحة داخل فلسطين المحتلة، في الجنوب والشمال، ومن خلال الاستهداف الممنهج للقواعد الأميركية في العراق وسوريا، وما ظهر أخيراً في البحر الأحمر مع احتجاز اليمن للسفينة الإسرائيلية، بالتوازي مع النجاح في لجم الطرفين ودفعهما إلى إبداء الحرص على عدم خرق قواعد الاشتباك، لناحية محاذير الكيان الإسرائيلي في التعاطي مع الجبهة اللبنانية والحرص على عدم التصعيد نحو حرب مفتوحة ضدها أو الرد على مصادر النيران التي تستهدف القواعد الأميركية في العراق، تؤكد قدرة المحور على تخطي التعقيدات المحيطة بآليات عمله، وتقدم دليلاً واقعياً على نجاحه في تقديم دليل عملي على نظرية وحدة الساحات.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2331039

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

Visiteurs connectés : 20

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.high-endrolex.com/28