لم تسجل قضية فلسطين تراجعاً في مجال العمل الرسمي، العربي والفلسطيني، مثل ذاك الذي تشهده هذه الأيام، حيث يبدو الأفق السياسي للقضية مسدوداً انسداداً كاملاً، مع استثناء الحيوية الدائمة للشعب الفلسطيني عن هذا السياق.
عندما وقّع أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد، مانحاً إسرائيل تنازلاً تاريخياً عن دور مصر في القضية، مقابل استرجاع سيناء التي كان يفترض أن تعود نتيجة «حرب أكتوبر» 1973 وحدها، ساد الاعتقاد أن خسارة العرب في المسار التاريخي لقضية فلسطين قد توقفت عند حدود ضمور الدور المصري في الصراع فقط.
أما اليوم وقد اقتربنا من الذكرى الأربعين لاتفاقية كامب ديفيد، فقد بتنا نرى أن الخسارة تضخمت إلى حد خروج الأنظمة العربية كلها من الصراع، بما في ذلك «النظام» الفلسطيني ذاته، صاحب القضية المباشر، في مقابل نجاح الحركة الصهيونية بفرض مشروعها على العرب مجتمعين، والقائم على تهويد ما تيسر من ضفة فلسطين الغربية وقدسها الشرقية.
لقد استعاد العرب لقاء توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد شبه جزيرة سيناء، منزوعة السلاح والسيادة الوطنية. لاحقاً، أنتج انخراط بقيتهم في مشاريع التسوية على مدى أربعين عاماً مسلسلاً لا متناهياً من التنازلات، في مقابل «آمال» عربية لا تدعمها مقومات أو وقائع، بـ «احتمال» تقديم المشروع الصهيوني تنازلات مقابلة عن نسبة ضئيلة من أرض فلسطين التاريخية لإنشاء دويلة فلسطينية غير قابلة للحياة الطبيعية، بل مضطرة في سبيل ما يشبه البقاء إلى الارتباط عضوياً وتبعياً، بشرياً واقتصادياً، بالكيان الإسرائيلي الذي أخذ يثبّت التضخم والتقدم الذي أحرزه في فلسطين منذ العام 1967.
يحصل هذا في ظل انغماس مجتمعات أربع دول عربية، هي سوريا والعراق واليمن وليبيا، في نزاعات وجودية قد تطيح بقاء هذه الدول وتجتثها من جذورها، وهو ما أخلى الساحة تماماً أمام تل أبيب لتحصيل ما سبق لها أن زرعته احتلالاً، وتأبيد ما نالته من تلويح بتنازلات.
غير أن العجز العربي الذي وصل إلى ذرىً غير مسبوقة، وتناسل الأزمات في الدول المذكورة، لا يمكن إلا أن يكون معطوفاً على انسحاب مصر السابق من الصراع، الذي كرّت بعده سبحة التراجع. ثمة من يؤمن، انطلاقاً من هنا، بأن التقهقر العربي إنما هو انعكاس للانسحاب المصري الذي مهّد لما تلاه، وشكل توطئة طبيعية له. إن صحّ هذا الزعم، وهو على الأغلب في مكانه، بات لزاماً علينا القول إن أي خروج من القعر الراهن يستلزم انخراطاً مصرياً مختلفاً في ملفات المنطقة، وعلى رأسها الملف الفلسطيني، بقدر ما يسمح به التخفف من أثقال كامب ديفيد، أو برغم هذه الأثقال. غير أن الأمر ينطوي على تغيير في الواقع المصري حتى نأمل تغييراً في الدور. ولذلك حديث آخر.
الجمعة 23 أيلول (سبتمبر) 2016
قضية فلسطين في ذروة التراجع
بقلم: الياس سحاب
الجمعة 23 أيلول (سبتمبر) 2016
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
44 /
2356263
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
12 من الزوار الآن
Visiteurs connectés : 7