ما رمزية هدم بيوت الفلسطينيين على يد الجيش العنصري «الإسرائيلي» إلى جانب عمليات الإجهاض، وتجريف الأرض واقتلاع شجرة الزيتون، وليس آخراً سرقة الثوب الوطني المطرز؟
أسئلة متوالية يجيب عنها علماء نفس واجتماع بالدرجة الأولى قبل تحليلات السياسة العابرة، ولكن دائماً هناك مساحة للاجتهاد.
البيت بالنسبة للفلسطيني هو العائلة ومركز العالم، وأول ما يفكر به الفلسطيني بعدما يحصل على عمل بعد تخرجه في الجامعة مثلاً، وقبل أن يفكر في الزواج، بناء بيت وفي ما بعد تكوين أسرة، وهو بلا بيت كائن ضائع، واجتماعياً، ينظر إليه بشيء من اللامبالاة في إطار ثقافة هو خارج عليها طالما أن البيت ليس من أولوياته.
أتوقف قليلاً هنا عند علاقة البيت بالفلسطيني، لأنتقل إلى «الإسرائيلي» ذلك «العابر في هواء عابر» كما وصفه محمود درويش في قصيدة أزعجت ذات يوم «الكنيست» وما زالت تزعجه، ف«الإسرائيلي»، مجتمعياً، يعيش في كيان تجميعي، وهو جاء من مختلف بلدان العالم تاركاً «بيته» هناك بلا ندم ولا ذكريات ليعيش في مستوطنات مبنية على أرض هي أصلاً ليست له. ولذلك، نفسياً وضمنياً فالبيت الذي يعيش فيه «الإسرائيلي» على أرض فلسطين هو في الحقيقة التي يعرفها «الإسرائيلي» ليس بيته، وليس له الحق في امتلاكه. وأضف إلى ذلك أن «الإسرائيلي» قبل ذلك جاء إلى فلسطين من بلدان كان فيها «بيته» بيتاً عابراً أو غامضاً، أو معزولاً تماماً عن ثقافة أو ثقافات تلك البلدان التي عاش فيها.
هذه «العقدة الإسرائيلية» وهذا العزل العنصري الذاتي هو جزء من سيكولوجية هذا «العابر في هواء عابر» ولذا، يحقد على الفلسطيني وعلى بيته، فيقوم بهدمه. أي أنه يهدم ما لم يتحقق له في التاريخ من قيمة عائلية وثقافية واجتماعية، كتلك القيمة الموجودة عند الفلسطيني.
هذا اجتهاد نفسي ثقافي بالنسبة إلى هدم البيوت في فلسطين بأسنان البلدوزرات «الإسرائيلية». أما عمليات الإجهاض التي تعرضت لها كثير من النساء الفلسطينيات، فهي تتصل أيضاً بمعنى ومفهوم (البيت)، أي (العائلة)، و«الإسرائيلي» التجميعي أو التلفيقي، والعابر، مرة ثانية، في هواء عابر يكره منظر امرأة فلسطينية حامل، فهذا الجنين هو رقم جديد في عدد شعب يقيم في بيوته وفي بلاده وليس في (مستوطنة) ولذلك، يجب إجهاضه أو قتله.
تجريف أرض الفلسطيني، واقتلاع أشجار الزيتون، وسرقة فن التطريز، وغير ذلك من ممارسة يومية ممنهجة ضد الفلسطيني، هي ردود فعل كراهية وحقد مبني أصلاً على كل ما يفقده هذا العدوّ عبر التاريخ: فقدان روح العائلة، فقدان روح (البيت)، لأن لا روح ل«المستوطنة» مع فقدانات كثيرة تجعل «الإسرائيلي» مريضاً يحمل عبارة معروفة وتزعجه أيضاً هي: «فاقد الشيء لا يعطيه».
بيت الفلسطيني في الأرض، وبيت «الإسرائيلي» في الهواء.