يضج المشهد الفلسطيني بظاهرة لافتة: الحركة الفلسطينية الأسيرة بكل أسراها ومعتقليها في مختلف سجون «إسرائيل» تصوم وتخوض بالأمعاء الخاوية معركة تحدٍ وصمود في وجه حكومة الكيان الصهيوني . باختصار، الحركة الأسيرة تصوم وتقود المشهد الشعبي الفلسطيني في حين الحركات الطليقة تتشاجر وتتعثر ومعها تتراجع فاعلية الفلسطينيين، سلطة وشعباً. إلى أين من هنا؟
ليست هي المرة الأولى التي يصوم الأسرى فيحركون المشهد الشعبي الفلسطيني. فقد صام الأسرى مراراً وحققوا مكاسب ملموسة ليس أقلّها إطلاق العشرات منهم. لكن صومهم الجماعي اليوم يبدو أكثر اتساعاً وأقوى دلالة وفاعلية.
لعل دلالته الأولى أن الحركة الأسيرة بدت، بالمقارنة مع الحركات الطليقة أكثر شعبية وأقوى فاعلية وقدرة على تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
تحسين معاملة الأسرى، معيشياً وإنسانياً، داخل السجون. والإسهام الفاعل في إبقاء قضية فلسطين حيّة لدى أبنائها ولدى العرب والعالم الأوسع. والضغط على الحركات والفصائل الطليقة من أجل تضييق خلافاتها وتقريب وجهات نظرها المتباينة، وبالتالي السير قدماً على طريق تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية.
بقدر ما يمارس الأسرى كثيراً من الصبر والتصميم والصمود بقدر ما تُظهر مديرية السجون «الإسرائيلية».
في المقابل مزيداً من التصلّب والصلف والمكابرة. ذلك أن حكومة العدو، بمختلف أجنحة تركيبتها الائتلافية العنصرية، تُجمع على الاعتقاد بأن بطل الإضراب الجماعي والأمعاء الخاوية هو عميد الأسرى مروان البرغوتي، وأنه يفعل ذلك في إطار صراعه مع الرئيس أبو مازن محمود عباس على قيادة الشعب الفلطسيني، في ظنّها، قدرات الأسرى على الصمود في صيامهم الأسطوري. كل ذلك وسط حملة تخويف وترهيب لم يتورع معها وزير «إسرائيلي» متطرف حتى في عنصريته عن الدعوة إلى إعدام «الأسرى الوقحين»، ومسؤول آخر عن الدعوة إلى استخدام أسلوب التغذية القسرية معهم لكسر الإضراب.
من الواضح أن الحركة الأسيرة تراهن على تجاوب الشعب الفلسطيني في كل مكان معها وقيامه بتحركات شعبية فاعلة في وجه سلطات الاحتلال من جهة، والضغط، من جهة أخرى، على القيادات والفصائل الفلسطينية بغية تضييق شقة الخلافات بينها، ودفعها إلى التوافق على تنفيذ ثلاثة مطالب استراتيجية:
انتخاب المجلس الوطني، وانتخاب المجلس التشريعي، وانتخاب الرئيس الفلسطيني البديل من محمود عباس.
إلى ذلك، تأمل الحركة الأسيرة بأن تتمكن، بالزخم النضالي المتأتي عن إضراب «الأمعاء الخاوية»، وبالتضامن الشعبي الواسع معها، والضغوط الناجمة عنه بأن تدفع السلطة الفلسطينية إلى نقل المواجهة السياسية والإعلامية مع «إسرائيل» إلى المحافل الدولية، ولاسيما إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ومن ثم إلى المحكمة الجنائية الدولية بغية محاكمة بعض المسؤولين والجنرالات «الإسرائيليين» لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية وضد حقوق الإنسان.
في الجانب «الإسرائيلي»، تتبدى نيات معلنة للتصلب وعدم استجابة مطالب الأسرى. لكن أوساط اليسار «الإسرائيلي» المحدود التأثير تتوقع أن تضطر الحكومة إلى إبداء المرونة لاحقاً. يقول المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس» المستقلة (2017/4/18) عاموس هرئيل، «إن من المتوقع أن يزور عباس البيت الأبيض الشهر المقبل، وفي نهاية مايو / أيار يبدأ شهر رمضان، وهذان تاريخان مهمان. فإذا استمر الإضراب حتى ذلك الوقت، فمن المحتمل أن تنشأ أزمة كبيرة، وكلما استمر الإضراب قد تحدث مضاعفات: نقل مضربين عن الطعام إلى المستشفى، ومعضلات بشأن التغذية القسرية وتعريض الأسرى لخطر الموت، ويمكن أن يؤجج ذلك الأجواء في المناطق (أي المحتلة). هذه أزمة تتطلب إدارة عن قرب من جانب القيادتين السياسية والأمنية خوفاً من الانعكاسات خارج السجن».
في المحصّلة: الأسرى الفلسطينيون مصممون على الصيام والصمود حتى تحقيق أهدافهم الرئيسية، و«الإسرائيليون» مرتبكون وخائفون من مضاعفات صعود الحركة الأسيرة الفلسطينية وتأثيرها على المشهد الفلسطيني الشعبي والسياسي بصورة عامة. أما العرب فهم، على ما يبدو، لاهون عمّا يجري في فلسطين المحتلة بحروبهم الكبيرة والصغيرة فيما بينهم.
أجل، العرب أسرى أزماتهم المزمنة، وليس ثمة حركة طليقة تتصدى لتحريرهم من «سعادة» البقاء أسرى أزماتهم تلك.
السبت 22 نيسان (أبريل) 2017
الحركة الفلسطينية الأسيرة تصوم وتقود
د. عصام نعمان
السبت 22 نيسان (أبريل) 2017
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
28 /
2473041
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
21 من الزوار الآن