] قطار ترامب - [طُوفانُ الأَقصى]
الأربعاء 18 كانون الثاني (يناير) 2017

قطار ترامب

نبيل سالم
الأربعاء 18 كانون الثاني (يناير) 2017

وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، ليس حدثاً نافراً في الوقت الحالي، حيث تعم العالم حالة من الفوضى، واضطراب واسع الطيف، يمتد من شرق العالم إلى غربه، ومن الشمال إلى الجنوب، في ظل تصاعد موجة الإرهاب العابر للحدود، وما يرافقه من صعود واضح لليمين المتطرف في الغرب، وما يحمله هذا اليمين من شعارات عنصرية شعبوية، تضرب أول ما تضرب نمط العيش المشترك، الذي لطالما سوق الغرب ديمقراطيته على أساسه.
فضلاً عن أنها تشكل خطراً على المجتمعات الأوروبية، والمهاجرين الذين يحاول بعضهم الاندماج في الحياة الغربية، والإسهام في واجباته، كأي مواطن أوروبي، ذلك أن شعارات العنصرية والكراهية، لا تصيب أحداً بعينه، وإنما ستطال شرائح اجتماعية واسعة، وستفتح الباب على نزاعات عرقية ودينية، سيطال شررها العالم كله.
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا، هو ما هي الأسباب التي دفعت وتدفع اليمين المتطرف إلى الصعود في أوروبا، والتي توجت في الولايات المتحدة بفوز شخص يجاهر علانية بالعداء للمسلمين، والمهاجرين، ويطلق شعارات لا تنسجم والمنطق، في دولة قامت بالأساس على المهاجرين من مختلف بقاع العالم؟
بطبيعة الحال أن الإجابة عن تساؤل هكذا، يجب ألا تنطلق من يومنا هذا، لأن صعود اليمين المتطرف، يعود في الواقع إلى تلك الفترة التي تلت الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم عام 1929، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وشعور الأوروبيين بمنافسة المهاجرين لهم على الوظائف والأعمال.
ومع أن صعود اليمين المتطرف في تلك المرحلة اتخذ من العامل الاقتصادي ذريعة له، إلا أن انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وما نتج عنه من ظهور دول تنادي بالعودة إلى القومية، قوّى من المشاعر القومية في أوروبا، وبالتالي بات اليمين المتطرف يتكئ على عكازين، هما تردي الأوضاع الاقتصادية، وتنامي الروح القومية، زد على ذلك أن وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام ألفين وواحد ساعدت على تنامي المشاعر العنصرية، لا سيما وأن وسائل الإعلام الغربية، راحت بعدها تسوق الإسلام على أنه منبع للإرهاب، إذ تعمقت فكرة (الإسلاموفوبيا)، ما قاد العديد من الأحزاب اليمينية في أوروبا إلى مواقع القرار، أو مكنها من التأثير في الاتجاه السياسي، وبطبيعة الحال فإن فوز دونالد ترامب أنعش الآمال في هذه الأحزاب، التي وصل بعضها إلى السلطة، أو يكاد، وفي أيامنا هذه حيث ينتشر الإرهاب، ويجثم تنظيم «داعش» وغيره من تنظيمات الإرهاب، كالفزاعة التي تستخدمها القوى اليمينية المتطرفة في الغرب، والمسكونة بهاجس القلق على الهوية المسيحية لأوروبا.
ومع أن ترامب بفوزه دفع المزيد من القوة في شرايين اليمين المتطرف، إلا أن أحداً لا ينكر أن هذا الرجل مشروع غامض، رغم الشعارات التي رفعها والتي عبر فيها عما يجول في باله صراحة، إلا أن ترامب قادم إلى الرئاسة على ما يبدو وفي جعبته جملة أهداف ربما تختلف قليلاً، أو كثيراً عن أجندات سابقيه، حيث إنه ينظر الى السياسة بعين التاجر، إن لم نقل بعين المرابي، وعليه فإنه لا بد سيتخذ سياسة براغماتية أساسها المصالح المقتنصة للرأسمالية على حساب الشعوب الأخرى، وبالتالي فإنه قد يكون أشد خطراً من سابقيه على السلام العالمي، رغم تصريحاته التي تدل على أنه يسعى إلى تطبيق شعار أمريكا أولاً، أو الانسحاب من المشكلات العالمية، ذلك أن النهج اليميني المتطرف الذي يمثله ترامب، ينظر بالأساس الى حل القضايا الشائكة عبر القوة، أي أنه يمين عنفي، رغم كل الشعارات التي توحي بعكس ذلك، ولكن السؤال الأهم هنا يتعلق بأثر وصول ترامب إلى السلطة في منطقتنا العربية التي تنضح بالصراعات، فماذا يحمل لنا ترامب؟
بالتأكيد أن الإجابة عن هذا السؤال تكمن في العديد من العناوين، لعل أبرزها وعوده الانتخابية، وأخطرها وعده للصهاينة، شركائه في الاستغلال العالمي، بنقل سفارة الولايات المتحدة الى القدس، والتي يمكننا اعتبارها المحطة الأولى لقطار ترامب اليميني المتطرف، الذي يبدو إنه سيقود حافلات اليمين الغربي عامة بالاتجاه الذي يريد، في ظل تصاعد موجة الإرهاب المصنّع أصلاً في دوائر الاستخبارات الغربية، بهدف استغلاله فيما بعد في خدمة التوجهات اليمينية، سواء في المنطقة، أو العالم.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2484496

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC

Creative Commons License

35 من الزوار الآن

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010