أجمل ما كان لافتاً استقبال أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة لحكومة الوفاق الوطني، والذي تابعه الفلسطينيون في أماكن انتشارهم كافة في الداخل والخارج بعد مدة طويلة على أمل تحقيق نقلة نوعية على صعيد تطبيق اتفاق المصالحة الموقّع في مصر بعد الاجتماعات الأخيرة في القاهرة، حيث شكلت مناخات إيجابية بدأت تسود بين حركتي حماس وفتح، وبعد إنجازات فلسطينية هامة على صعيد إعادة حضور قضية فلسطين على أجندة المجتمع الدولي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، واعتراف الانتربول الدولي بعضوية فلسطين فيه، فإنّ هذه الخطوات بحاجة الى شحذ همم الجميع من جديد بعد وقت طويل من الانقسام الفلسطيني الداخلي.
لذلك نقول لقد احتلّ موضوع الوحدة الوطنية مساحة هامة في خطابنا السياسي على مدى عشرات السنوات، وكلما تزايدت الأخطار المحدقة بنضالنا الوطني نتيجة عوامل خارجية أو داخلية، أو لتداخل العاملين معاً، كانت تبرز أهمية العامل الذاتي الفلسطيني، ويتصاعد الحديث عن موضوع الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام وتطبيق اتفاقات المصالحة، وأنا لا أظنّ أنّ نضالنا الوطني قد مرّ عبر تاريخه الطويل بمرحلة أكثر دقة وخطورة من المرحلة التي نمرّ بها الآن، وهو ما يتفق عليه الجميع. وربما كان الإحساس بهذا الخطر هو الذي يدفع الآن مختلف القوى والفصائل إلى التركيز على أهمية معالجة موضوع الوحدة الوطنية.
وانطلاقاً مما يجري، وحتى لا يبقى حديث الوحدة حديثاً موسمياً يطرح في المناسبات ولمعالجة إشكالات آنية تثار بين فترة وأخرى، فيجب معالجة القضايا المستحقة كافة في قطاع غزة، وخاصة في ظلّ الواقع المؤلم الذي يعيشه شعبنا وما وصلت إليه قضيتنا في مواجهة الاحتلال.
من هنا ندرك المخاطر المحدقة بشعبنا وقضيتنا، ونتحلى بأعلى قدر من المسؤولية تجاه هذه المخاطر وأهمية مواجهتها بكلّ الجدية المطلوبة، وذلك واجب على القوى والفصائل أن تقف بجدّية حول الأزمة التي نعيشها، مَن كان في موقع المسؤولية التي تقع على عاتقهم، وخاصة أنّ الشعب الفلسطيني في مرحلة تحرّر وطني متمسك بأهدافه الوطنية المتمثلة في حق العودة للاجئين وتقرير المصير، لهذا فإنّ توفر كلّ هذه القناعات يخلق ظروفاً مواتية لإعادة دور منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها.
إنّ الجدية التي تنطلق من إدراك حقيقة الأزمة التي نعيشها، وعمق المأزق الذي وصلنا إليه تقتضي معالجة الوضع بأسلوب يختلف عما تمّ التعامل به حتى الآن، وبعيداً عن الارتجالية والاستخفاف، وعن سياسة تسجيل النقاط. وهذا يفترض عقد لقاء بين مختلف الفصائل والقوى لاستعادة روح الثقة بينهم، وتوفير القناعة بأنّ هناك توجهاً جديداً يستند إلى الإيمان بالمصالحة وإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة. هذه الوحدة التي تحمي العمل الفلسطيني، وتحمي المجتمع الفلسطيني وساحاته المختلفة وتحافظ على منظمة التحرير الفلسيطينية كإطار ورافعة للعمل الوطني الفلسطيني في ظلّ تقلّبات السياسة العربية والدولية.
أمام كلّ هذه الظروف نرى ضرورة مراجعة شاملة لوضعنا السياسي والوطني بشكل عام. ومن باب الدعوة لتغليب المصلحة الوطنية العليا وقضية الوحدة الوطنية، على المصالح والمكاسب والحسابات التنظيمية والذاتية الضيقة وتطبيق ليس بنود اتفاق المصالحة فقط، بل كلّ ما يتعلق بترتيب البيت الفلسطيني، والتعامل مع المرحلة الراهنة والمقبلة. ولهذا نرى أنّ المفاوضات ليست الشكل الوحيد للنضال الوطني، وليت هي الطريق الوحيد لإنجاز عملية التحرير، وبالتالي فهي لا تلغي أشكال النضال الأخرى ولا توقف استخدام كلّ وسائل الضغط لإجلاء المحتلّ عن أرض فلسطين وتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والعودة والاستقلال.
وفي ظلّ هذه الظروف، وفيما نقدّر دور مصر في العمل من أجل إنهاء الانقسام، نؤكد أنّ مهمة توحيد الوطن الفلسطيني وبنائه هي مسؤولية الجميع، كما هي مسؤولية شعبنا بأسره ممثلاً بكل قواه وشخصياته وفاعلياته السياسية والشعبية، بحيث تتاح للجميع فرصة المشاركة في عملية التحرير والبناء.
إنّ ما جرى في ظلّ الأوضاع التي تعيشها المنطقة، يفتح الطريق أمام التوصل إلى تكامل نضالنا الوطني والقومي. فالتطبيق العملي لعناوين اتفاق المصالحة وبتفاصيله على أرض الواقع يحتاج لاشتقاق مواقف شجاعة وعملية، إنْ كان من حركتي حماس وفتح، أو من باقي القوى والفصائل الفلسطينية التي كانت بدورها جزءاً أساسياً من الاتفاق.
ختاماً: إنّ التناقض الرئيسي هو بين شعبنا وبين الاحتلال بمختلف أشكال وجوده العسكرية والاستيطانية والاقتصادية، وإنّ جهودنا جميعاً يجب أن تنصبّ للعداء للاحتلال. ونحن اليوم على أعتاب تنفيذ اتفاق المصالحة ومباشرة حكومة التوافق مهامها نأمل أن يكون للمؤسسة الرسمية دور في انتقال المشهد الثقافي من حالة التشرذم والانقسام، إلى حمل خطاب ثقافي فلسطيني يعمل على تعزيز وتقوية النسيج المجتمعي، وتعزيز ثقافة الوحدة الوطنية من أجل الحفاظ على المكتسبات والإنجازات التي تمّ تحقيقها، والبناء عليها.