] تجلّيات أخرى للمقاومة - [طُوفانُ الأَقصى]
السبت 21 كانون الثاني (يناير) 2017

تجلّيات أخرى للمقاومة

خيري منصور
السبت 21 كانون الثاني (يناير) 2017

عندما بالغ بعض النقاد العرب في التعويل على دور شعر المقاومة ، كتب محمود درويش مقالة بعنوان «انقذونا من هذا الحب القاسي»، وكان امتيازه الشعري والإنساني يتلخص في وعي شديد الحساسية، لهذا طالما ألحّ على مفهوم الوطن البسيط، وإعادة البطولة من الأسطورة إلى التاريخ وإلى الإنسان العادي.
لكن من ضيّقوا مفهوم المقاومة ، بحيث لا يتجاوز قُطر فوهة البندقية ، نسوا أو تناسوا أن للمقاومة تجلّيات إنسانية لا آخر لها، وأن الصدق مع الذات والآخر مقاومة، والتبشير بثقافة الحياة ضد ثقافة الموت مقاومة، وأن الحب مقاومة ، إذا كان حرباً ضد الكراهية ! والشعوب التي تعرّضت للاحتلال كفرنسا عبّر مفكروها ومثقفوها عن أشكال وآفاق أخرى للمقاومة، ومنهم مثل الفتى فيركور صاحب قصة «صمت البحر» الشهيرة من رأى أن الصمت يصبح مقاومة إذا كان قراراً بمقاطعة الغزاة، واستشهد شاعر فرنسي بما سمعه من إسكافي في باريس حين قال له إن مقاومته لا تدّعي البطولة ، لأنه يمتنع عن إصلاح أحذية الجنود العائدين من المستعمرات! وحين احتفلت فرنسا بذكرى شاعر الحرية بول إيلوار كانت تبثّ بلا انقطاع قصائده عن الحب في زمن الكراهية وعن الورد الذي يتناوله العشاق تحت أزيز الرصاص.
مقاومة المحتلين والغزاة تبدأ من التسلّح بوعي التاريخ والتشبث بما في الذاكرة القومية من منجزات إنسانية.
لكن هذه التجليات الحضارية لا تحول على الإطلاق دون استخدام أي سلاح آخر متاح حتى لو كان بدائياً كالحجر! وما أعنيه هو أن تضييق مفهوم المقاومة وجعله مقتصراً على المجابهة البدنية المباشرة يحذف أسلحة معنوية بالغة القوة والمضاء، وهناك نماذج من المقاومة نذكر منها استمرار المدرسين الإنجليز في حصص التعليم على أطلال المدارس التي قُصفت ، وتشبّث الفرنسيين بمقاعدهم في المسرح الذي كان يعرض مسرحية «الذّباب» لسارتر وتعرّض للقصف!
إن الدفاع عن كل ما هو بهيّ وجميل في ثقافتنا مقاومة، وكذلك إصرار الضحية البليغة والنبيلة على عدم محاكاة جلادها.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2473041

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC

Creative Commons License

32 من الزوار الآن

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010