حالة التفاؤل والأمل بحصول تغيير في السياسة الأميركية بتولي دونالد ترامب مقاليد السلطة والتي عبَّر عنها العديد من المحللين السياسيين، وجهدت الماكينات الإعلامية للترويج ببزوغ فجر أميركي جديد، هي حالة بقدر ما تعكس وطأة النتائج الكارثية التي خلفتها إدارة الرئيس الزائل باراك أوباما والرغبة في التخلص منها، بقدر ما تعبِّر عن التمني بزوال السياسة الأميركية المدمرة التي قادتها الإدارة الديمقراطية وعلى رأس هرمها باراك أوباما، وبرؤية تحول حقيقي في هذه السياسة لصالح الأمن والسلم الدوليين، ولصالح استقرار الدول وأمان شعوبها.
وما ضاعف مساحة التفاؤل لدى جمهور المتابعين والمحللين خطاب دونالد ترامب بُعيد أدائه القسم والذي أفصح فيه عن نهج سياسته القادم وأكد فيه أيضًا ما أعلنه في سياق حملته الانتخابية، حيث كانت أولى الإشارات التي التقطها المتابعون على مختلف مشاربهم هي “أميركا أولًا، أميركا الموحدة، والعمل من أجل أميركا وشعبها، والعمل على وقف الخراب الذي لحق بها، وأنه سيزيل ـ حسب وصفه ـ التطرف الإسلامي أو الإسلام الراديكالي من العالم”، وأن هذه الإشارات تحمل في طياتها تغييرًا قادمًا نحو الأفضل، وانكفاءً أميركيًّا نحو الداخل، يخدم السلم والأمن الدوليين.
في مقالات سابقة قلت إن الإدارة الجمهورية بقيادة ترامب هي نسخة من الإدارة الجمهورية الأسبق بقيادة جورج بوش “الصغير”، والفارق بينهما هو القوة الأميركية المستخدمة في تمرير السياسات الأميركية في الخارج لصالح الداخل الأميركي، فإدارة بوش استخدمت القوة الخشنة المتمثلة في القوة العسكرية الجبارة، أما إدارة ترامب فعمادها القوة الاقتصادية للهيمنة على العالم. ومن يتابع خطاب بوش بُعيد توليه السلطة في الولايات المتحدة، ويتابع خطاب ترامب بُعيد أدائه القسم، سيجد حالة التشابه الكبير في الفكر والتوجه؛ فبوش “الصغير” قال “من ليس معنا فهو ضدنا”، معلنًا “الحرب على الإرهاب” وواصفًا إياها بأنها “حرب صليبية” يقابله قول ترامب “أميركا أولًا أو مصلحة أميركا أولًا”، معلنًا هو الآخر الحرب على ما وصفه بـ “الإسلام الراديكالي أو التطرف الإسلامي وإزالته من العالم”؛ أي في المضمون هي “حرب صليبية”.
وفي سياق القراءة نفسه، نجد أن بوش “الصغير” عدَّ كل من لا يتعاون مع بلاده في “حربها الصليبية” على الإسلام الذي وصفه بـ “الحرب على الإرهاب” بالدعم العسكري أو اللوجستي والاستخباري، فهو ضد الولايات المتحدة، وعليه أن يتحمل عواقب ذلك. في حين لدى ترامبأن كل من يقف عقبة أمام الاقتصاد الأميركي والشركات الأميركية، وكل من يرفض أن يدفع الجزية مقابل الحماية الأميركية، عليه أن يتحمل عواقب ذلك، وهنا ودون شك، لا تفرق الولايات المتحدة بين خصومها وأصدقائها وحلفائها الذين عليهم التعامل وفق ما تسنه من قوانين وتعاملات اقتصادية.
على أن الأهم في السياق ذاته، وهو “الحرب على الإرهاب” و”الحرب على الإسلام الراديكالي”، فقد هدفت إدارة جورج بوش “الصغير” وتحت شعار “تجفيف منابع الإرهاب” إلى استهداف المقاومة الفلسطينية واللبنانية والداعمين لهما، وما دلَّ على ذلك القضاء على الجمعيات والتبرعات الخيرية، ثم الحرب العدوانية الإرهابية التي شنها كيان الاحتلال الإسرائيلي صيف عام 2006م بأمر من إدارة بوش، وأجابت مستشارته للأمن القومي ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس حين سئلت عن إبادة الطيران الحربي الإرهابي الإسرائيلي الأطفال والنساء والشيوخ في لبنان بأن شرق أوسط جديدًا يولد، ثم تلتها الحرب العدوانية الإرهابية على قطاع غزة لاستهداف المقاومة الفلسطينية هناك في نهاية العام 2008 وبداية العام 2009م. أما الحرب التي أعلنها ترامب في خطاب التنصيب والقسم فهي لن تخرج عن سياق الحرب على المقاومة الفلسطينية واللبنانية والداعمين لهما ونعني بهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا، وكل الشرفاء في المنطقة والعالم؛ لأنه عقلًا ومنطقًا، لم ولن يتأتى أن تشن الحرب على من يخدم كيان الاحتلال الإسرائيلي ومشروعه، والمخططات الأميركية كتنظيمي “داعش” و”النصرة” بعدما ثبتت أبوتهما وأمومتهما الأميركية ـ الإسرائيلية وبحضانة تركية وبعضها عربي، فطوال أكثر من ست سنوات كان الدعم والدفاع الأميركي ـ الإسرائيلي واضحًا، سواء من خلال تزويدهما بالأسلحة النوعية أو بالمعلومات الاستخبارية والإحداثيات والتوجيه، فضلًا عن رفرفة رايات الإرهاب القاعدي وفي مقدمته ما يسمى جبهة “النصرة” جنبًا إلى جنب مع علم كيان الاحتلال الإسرائيلي، والمستشفيات الميدانية الإسرائيلية لعلاج الإرهابيين. فهذه التنظيمات منتَجَة لأجل وظيفة واحدة وهي تدمير الدول التي ترفض الاحتلال الإسرائيلي وتدعم مقاومته، على النحو الماثل في سوريا والعراق ولبنان وليبيا وغيرها، ولنشر الفوضى والإرهاب في المنطقة؛ ولذلك الدعم الإسرائيلي بالعدوان الإرهابي المباشر على سوريا كان حاضرًا على الدوام، إما لرفع معنويات هذه التنظيمات وإسنادها، وإما لخلط الأوراق والتشويش حين تلوح بادرة للحل السياسي. وما يدعم ما جاء آنفًا كذلك، شكل التوليفة الحكومية التي اختارها ترامب لقيادة هذه المرحلة، بالإضافة إلى القس روبرت جيفريس الذي ألقى القداس في مراسم التنصيب والقسم، ومعروف عن جيفريس كراهيته الشديدة للمسلمين، وبالتالي، يمكن القول إن كل شيء تم اختياره بعناية، فمراسم التنصيب وعبارات الخطاب وأركان الإدارة كل ذلك يقرأ من عنوانه، وما الحرد الترامبي من عدم استخدام إدارة أوباما الفيتو ضد قرار إدانة الاستيطان الإسرائيلي، وعزم ترامبنقل السفارة إلى القدس المحتلة، وتعيينه سفيرًا مؤيدًا للاستيطان، ورموزًا صهيونية موالية للاحتلال الإسرائيلي، إلا كل ذلك علامة من علامات القادم.
الاثنين 23 كانون الثاني (يناير) 2017
أميركا ترامب.. الكتاب يقرأ من عنوانه
خميس التوبي
الاثنين 23 كانون الثاني (يناير) 2017
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
12 /
2473041
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
23 من الزوار الآن