علي بدوان
إياكم والمخيم الفلسطيني. المخيم الفلسطيني أساس القضية ومعقل المشروع الوطني، بل ومبرر كل القضية الوطنية التحررية للشعب الفلسطيني. فالمخيمات الفلسطينية في الداخل الفلسطيني وفي الشتات (سوريا + لبنان + الأردن) تاجٌ على الجبين.
المخيم الفلسطيني عنوان وخلاصة قضية وطنية تحررية عادلة. المخيم هو مكان الإقامة المؤقت. المخيم الفلسطيني هو الشاهد الحي على النكبة وعنوان الإصرار على حق العودة. شاهد ماثل ومُستمر على نكبة الفلسطينيين وتشردهم، وبالتالي على حقهم المُستمر بالعودة، والذي لا يسقط بالتقادم، ولا حتى بالتنازل، من أيٍ كان. المخيم الفلسطيني نبع وخزان المقاومة والثورة المعاصرة. المخيم الفلسطيني نبع الإنتفاضة ومهدِ رماة الحجارة.
المخيم الفلسطيني خط أحمر … لا يجوز بأي شكلٍ من الأشكال نقل الخلاف السياسي وغير السياسي وتحويله إلى احتراب واقتتال داخل المخيم. ولا يجوز أن تكون تصفية الحسابات على حساب استقرار وأمن أبنائه. كما لا يجوز أن يكون ملجأً للمُتفلتين والمُعتدين على القانون والفارين من العدالة الوطنية الفلسطينية، وللمتطاولين على النظام العام في مناطق الضفة الغربية والقدس المُختلفة.
كان اجتماعًا فلسطينيًّا قد عُقِدَ مؤخرًا في مخيم الأمعري قرب مدينة البيرة، وضم كوادر وأعضاء محسوبين على القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان ــ كما تُشير المعلومات ـــ طالبوا بــ»عودة المفصولين من حركة فتح إلى حركة فتح، ورفض سياسة الإقصاء بحقهم، مع الدعوة لوحدة حركة فتح».
الأمر ليس هنا في مطالب مُحدَدّة من قبل مجموعة فلسطينية محسوبة على شخصٍ بعينه، بل في وقوع احتكاكات مُسلحة كادت أن تُفضي لاشتباكاتٍ وفتنٍ دموية على أرض مخيم الأمعري. وكذا الحال في مخيم بلاطة قرب نابلس، حين وَجَدَت مجموعات صغيرة مُتفلتة وغير مُنضبطة من المعتدين على القانون العام ملجأً لها داخل أزقة المخيم وبين بيوته وحاراته، في محاولة لتكرار ما حصل في بعض مخيمات شتات الشعب الفلسطيني المؤقت في لبنان، حين حاول الكثيرون تحويل تلك المخيمات لبؤر أمنية، ووضعها قيد التشغيل والإستثمار السياسي الإقليمي.
مخيم الأمعري، ومعه مخيم بلاطة قرب نابلس، وبعدهما مخيم الجلزون قرب رام الله، وأبنائهما من اللاجئين الفلسطينيين وأحفادهما، من مناطق يافا واللد والرملة، ليسوا بحاجة لمغامرات وبطولات مُزيفة مُستوردة على يد المنفلتين، يكفي مخيمي الأمعري وبلاطة ما نالهما من بطش الاحتلال، ويكفيهما صمود أبنائهما، وإقدامهم في مسيرة العمل الوطني الفلسطيني، خاصة في الانتفاضتين الأولى والثانية.
لا يجوز، ويجب منع تحويل المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس إلى جُزرٍ أمنية، يلجأ ويهرُبُ اليها المتجاوزون والمتنطحون على القانون، كما يجب منع أيةِ قوة مُتسلطة من البطش بأبناء تلك المخيمات، التي كانت وما زالت في مقدمة أصحاب التضحيات في مسيرة المشروع الوطني الفلسطيني.
سلامة المخيم الفلسطيني، وسلامة سكانه، وحمايتهم، مقياس وطنية وإخلاص كل طرف فلسطيني مسؤول في مختلف القوى والفصائل، وفي المقدمة السلطة الوطنية الفلسطينية، ولنا عبرة ورسالة وتجربة صارخة من مخيمات الشتات الفلسطيني في سوريا ولبنان، التي أصابتها الويلات في حروبٍ قسرية وقاسية، فُرِضَت عليها، وكانت نتائجها النهائية وخيمة على أبناء فلسطين من اللاجئين في دياسبورا المنافي والشتات. فنحو نصف لاجئي فلسطين في سوريا باتوا في ديار الغربة البعيدة جدًّا عن المنطقة بعد محنتهم الأخيرة. كذا الحال للاجئي فلسطين في لبنان، حيث أكثر من سبعين بالمئة منهم باتوا من زمنٍ بعيد في منافي الهجرة على امتداد المعمورة من أقصاها إلى أقصاها. إن تدمير المخيم الفلسطيني لا يقوّض حق العودة فحسب، بل يقوّض الوجود المادي المُكثّف لأبناء فلسطين التاريخية جوار حدود فلسطين، ويقوّض القاعدة الاجتماعية والنضالية للمؤسسات الوطنية الفلسطينية وينسف شرعيتها أو فعاليتها.
لقد تضافرت الجهود والمؤامرات لدفع الفلسطيني للانتقال من حالة اللجوء إلى حالة المنفى، ووضعه أمام معادلة أعياه من خلالها التعب من حياة انتظارية ومؤقتة ومضنية في ظل تراجع الحالة العربية وضعضعة ممكناتها الوطنية وروافعها، حيث سعت دولة الاحتلال تعمل وتدفع باتجاه هذا الانتقال للاجئ الفلسطيني من المخيم إلى منافي المعمورة، وتغذي دوافعه وأسبابه، والبعض من العرب الرسميين رحبوا وما زالوا يرحبون به، بل ويشجعون عليه، فهو على أيّ حال أفضل من بقاء المخيم ومن التوطين الذي من شأنه الإخلال بموازين القوى الديمغرافية والطائفية والسياسية كما يقولون في لبنان على سبيل المثال بالرغم من تَشَدُق الجميع بأهمية الحفاظ على حق العودة للفلسطينيين.
لقد شكّلت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ومنذ نشأتها هاجسًا أمنيًّا وثقلًا ديمغرافيًّا لم ولن تقبل به دولة الاحتلال الصهيوني، ولم تألُ الأخيرة جهدًا في سبيل ردع هذه الهواجس وتفكيكها. وحين بدا لـ»إسرائيل» أنها أذعنت ورضخت لحقيقة وجود المخيم واستمراره، كانت تسعى في السر والخفاء لجعل هذا الوجود سلبيًّا لا يُشكّل تهديدًا جديًّا، منتظرة لحظة سياسية مواتية لتصفية المخيم والقضية برمتها. ويبدو أن «إسرائيل» تراهن في هذه الآونة على الانقسام الفلسطيني، وتفكك الإقليم بوصفه الفرصة التي انتظرتها طويلا أو التي خططت لها كما ينبغي.
هنا، يترتب على السلطة الوطنية الفلسطينية، وعموم القوى والفصائل أن تأخذ بعين الاعتبار الخطرين الماثلين الآن: تذويب الشتات وبعثرة الحضور الفلسطيني المكثف في نطاق المخيمات وصولًا إلى محاولات إعادة التوطين وربما التهجير خارج حدود الإقليم ذاته. والخطر الثاني يتمثل في تطبيق الحل الإقليمي، على أي نحو، على من تبقى من فلسطينيين فوق أرض فلسطين التاريخية.
وعليه، يترتب العمل فلسطينيًّا من أجل الحفاظ على الوجود المادي للمخيم، وعلى المرجعيه السياسية والاجتماعية، واحترام الرموز الوطنية والثوابت التي أجمع عليها غالبية أفراد المجتمع، وعدم اللجوء إلى تنفيذ أجندات خارجية أو العمل وفق أجندة خاصة مهما كانت المبررات والذرائع، وممارسة التعبير بالوسائل السلمية التي تأخذ بالحسبان أمن المجتمع واستقراره .
كما يترتب على السلطة الوطنية الفلسطينية وعموم القوى والفصائل، العمل من أجل توفير أسباب العيش الكريم لأبناء المخيمات، ورفع مستوى الخدمات، لتحسين ظروف المعيشة، وتطوير القدرات والمهارات، وحماية المخيمات من الأخطار والأمراض ومكافحة التعامل مع النقص المتزايد في الحاجة إلى المسكن الآمن، والأمن الغذاء، والماء والطاقة.■