شعر كثيرون من الفلسطينيين والعرب بالصدمة بعد المؤتمر الصحفي لترامب ونتنياهو في البيت الأبيض. فقد اتضح أن ترامب خلافاً لكل رؤساء أمريكا السابقين، ليس مقتنعا بحل الدولتين، وأنه قادر على التعايش مع أي حل يتفق عليه الطرفان الصهيوني والفلسطيني، سواء كان حل الدولتين او الدولة الواحدة. ومن الطبيعي أنه قادر أيضاً على التعايش مع اللاحل واللاسلم واللاحرب، ما دام الاستيطان الصهيوني يتزايد صباح كل يوم، وما دام الكيان يصر على أن «أورشليم» هي «العاصمة الأبدية» لدولته المارقة.
ليس من الضروري أن يصاب أحد بالإحباط أو الصدمة لهذا الموقف الأمريكي، ذلك أن حل الدولتين دفنه القادة الصهاينة منذ زمن طويل، فقد مات وشبع موتا. تم طرح هذا الحل قبل سنوات وتعزز بقرارات دولية وإجماع قادة العالم ، ومع ذلك فلم يتحقق حل الدولتين ولا أي حل آخر.الجديد في الموضوع أن يتبادر إلى أذهان البعض أن ما طرحه ترامب هو حل الدولة الواحدة، أي إقامة دولة على كل أرض فلسطين التاريخية، وقد فهم البعض ممن لا يعرف حقيقة الكيان أو مشروعه في المنطقة أو عدوانيته وأطماعه التوسعية ، أنه حل جيد،لأنه يعني أن يشكل الفلسطينيون ما يقارب نصف عدد السكان، وبالتالي قد يصبحون أغلبية عددية في دولة «ديمقراطية» خلال سنوات معدودة، وليس من المستبعد في هذه الحالة لفرط سذاجة هؤلاء، الإعتقاد بأن يصبح رئيس الوزراء في الدولة الواحدة فلسطينياً مثلا!.
هذا كلام للسخرية لا أكثر! لأن حل الدولة الواحدة من وجهة نظر الكيان يتحقق بطرد الشعب الفلسطيني أو أغلبيته من أراضيه ، فالمطلوب ضم الأرض وليس الشعب. وحتى من دون (الترانسفير) فإن قطاع غزة الكثيف السكان مستبعد سلفاً أرضاً وسكاناً، ولا يدخل في حسابات الدولة الواحدة. ليبرمان يقدم مقترحا بتهجير سكان منطقة المثلث في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 إلى الضفة الغربية، وآخرون يقولون بوجود ثلاث دول للفلسطينيين قائمة حاليا هي غزة والأردن وثالثة قد تقام في سيناء بعد تهجيرهم إليها. ما لا يفهمه البعض من تطور محاولات الحل الفاشل، أن أمريكا والعالم لن يفرضوا على الكيان حلاً، وأن الأمر متروك لخياره وقراره وحده، وله حق «الفيتو» على أي حل. خيار الكيان هو استمرار الوضع الراهن، لأن استمراره يسمح بإحداث تغييرات على الأرض تجعل اي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية مستحيل التطبيق عمليا. ذلك أن مصادرة الأراضي والاستيطان هي في الواقع عملية ضم تدريجية لأراضي الضفة الغربية، كما أن عدد المستوطنين فيها يناهز النصف مليون، ونسبتهم إلى مجموع السكان في ارتفاع مستمر، فالميزان الديمغرافي في الضفة الغربية يحسب الكيان له حسابا،كي يميل لصالح المستوطنين.
في استعراض إمكانية قيام الدولة الديمقراطية الواحدة، فإن العقبات الصهيونية تحتل الجوهر الأساسي كعقبات، بالمقارنة مع العقبات الفلسطينية والعربية والإسلامية. تلك، تتمثل في أن الدولة الديمقراطية تتناقض بالمطلق مع الهدف الاستراتيجي الذي يسعى إليه الكيان، ويتمثل في إقامة الدولة اليهودية، الخالية من العرب، والتي تجمع اليهود من مختلف أنحاء العالم. وتتناقض مع الجذور التوراتية للسلوك الصهيوني المتمثل في العدوان الدائم على الفلسطينيين والعرب (الأغيار) في أفق استعلائي فوقي وتفوقي عنصري مزنر بنظرة دونية إليهم. وتتناقض مع مسلك الحاخامات،الذين أبقوا اليهود في إطار (الغيتو) الذي تحول إلى عنجهية (القلعة) بعد إقامة الكيان.
والكيان ورغم مرور ما يقارب السبعة عقود على إقامته القسرية، لم تتطور فيه سوى العدوانية الممارسة على الآخر، ضمن دائرة نفس نظرة الحاخامات. و بالتالي فإن أي مراهنة على ثلاثة آلاف سنة مقبلة لإجراء تحول مسلكي مناقض لما تمارسه «إسرائيل» حالياً،هي مراهنة بعيدة تماماً عن الموضوعية.. بالطبع ضمن المعطيات الحالية والقادمة أيضا.
هذا عدا عن أن المناهج الدراسية في الكيان، إن في رياض الأطفال والمدارس والجامعات،أو في المدارس الدينية،لم تنتج على مدى ما يقارب السبعين عاماً سوى التطور في بنية اليمين الديني الأكثر تطرفا والفاشي بجدارة، إضافة إلى عسكرة الشارع من خلال تطور المؤسسة العسكرية - الأمنية بمفاهيمها التي تفرضها على الشارع الصهيوني، تماماً كما تفرض المؤسسة الدينية شروطها في البنية الاجتماعية على كل اليهود في الكيان.
الثلاثاء 28 شباط (فبراير) 2017
هل يسمح الكيان بالدولة الواحدة؟
د. فايز رشيد
الثلاثاء 28 شباط (فبراير) 2017
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
22 /
2484496
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
39 من الزوار الآن