ما عاد المشهد العربي السياسي سريالياً فقط، أي غير قابل للفهم، وإنما وصل إلى مرحلة الخرف. لقد فضح، أولاً، وجود ذلك النسيان إلى أقصاه تصريح وزير الخارجية الروسي الأخير بضرورة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، نعم، المناشدة جاءت من وزير الخارجية الروسي.
فالنسيان لم يصل بعد إلى عقل وزير الخارجية الروسي، الذي لا يزال قادراً على التفكير المنطقي. فهو يرى مندوبي الحكومة السورية يجلسون في كل محفل دولي، بما فيه مجلس الأمن، ويحضرون كل الاجتماعات التي تعقدها هيئة الأمم للنظر في إيجاد حل للمسألة السورية. وهو يرى وفوداً برلمانية تذهب إلى سوريا لتطلع على أوضاعها ولتجتمع بمسؤوليها.
أما المسؤولون العرب الذين يحضرون اجتماعات جامعة الدول العربية فإنهم لا يزالون يحملون نفس الانطباع الذي كان سائداً منذ خمس سنوات مضت، وهو أن سلطة الحكم في سوريا هي في طريقها للزوال.
والنتيجة هي أن جامعة الدول العربية، المسؤولة عن حاضر ومستقبل كل جزء من الوطن العربي، تجد نفسها غير قادرة على المساهمة في أية مداولات دولية لإخراج الشعب العربي السوري من محنته ومن الجحيم الذي يعيشه، وذلك بعد أن ارتكبت غلطة إخراج سوريا من الجامعة العربية، كسابقة نظامية خطرة وقبل أن تنجلي صورة نتائج الصّراعات المتشابكة المعقدة في الداخل السوري.
نحن هنا، لا ندافع عن هذه الجهة ولا نقف ضد تلك الجهة، فمثل هذه الأحكام هي من حق ومسؤولية الشعب العربي السوري، ولكن يحزننا أن نرى مبادرة تصحيح قرار عربي تأتي من خارج الوطن العربي، لتبين العجز والشلل للإرادة العربية السياسية المشتركة.
لقد فضح، ثانياً، ذلك االنسيان أن محاولات إيقاف الدمار المفجع الذي أصاب مجتمع القطر العربي اليمني دخلت في متاهات الغموض والمناورات الدولية وطغيان مشاعر الخلافات المذهبية والقبلية والتاريخية، وذلك بسبب غياب الموقف العربي الموحد الحاضن لمصالح وآمال الشعب اليمني المعذب المنهك، الذي ما إن يخرج من قبضة مجنون فاسد حتى يدخل في قبضة الجنون الطائفي الأحمق.
يفضح، ثالثاً، ذلك النسيان يومياً، وعلى امتداد عقود، أن خلافاً يظل في المغرب العربي مشتعلاً دون أن توجد توصلنا إلى حل يحتضن طموحات وآمال شعوب أقطار المغرب العربي الكبير، بعد أن أوصلت االتشنّجات، هذا الموضوع إلى طريق مسدود.
يفضح، رابعاً، ذلك النسيان ما تتناقله وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من همسات وتصريحات حول قضية القضايا العربية، قضية فلسطين. بعضها يدعو علناً إلى التطبيع مع العدو الصهيوني الذي يحتل فلسطين كلها ويستبدل شعبها بأغراب يهود يأتون من كل أصقاع الأرض، الذي يسجن ويقتل ويهمّش ويهدم البيوت. وبعضها يدعو إلى التخلي النهائي عن شعب فلسطين العربي، ومتناغماً مع تصريحات مجرمي الصهيونية في فلسطين المحتلة. ولِمَ لا يحدث ذلك إذا كانت بعض الأنظمة العربية تتعامل مع الكيان الصهيوني وكأنه حكومة عربية في الجامعة العربية؟
يفضح، خامساً، ذلك النسيان أن هذه الأمة المتخلّفة في الاقتصاد والسياسة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا، هذه الأمة المهددة بأن تصبح خارج التاريخ وخارج العصر، منشغلة حتى النخاع بصراع فقهي تاريخي طائفي بليد لا يمت بأية صلة إلى القرآن الذي أوحي للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، والذي يكاد أن يحرق الأخضر واليابس، ويكاد أن ينخر المجتمعات ويفسد العلاقات الاجتماعية بين ساكني أرض العرب.
وأخيراً، يفضح النسيان هذه الأمة أن تستطيع مجموعات صغيرة من أبنائها إدخال أرض العرب وبقية العالم في دوامة الجهاد التكفيري العنفي الذي أضر إلى حدود التدمير بسمعة دين الإسلام، وهو الرسالة الوحيدة التي فاخرت هذه الأمة بأنها تحملها للعالم كله.
يستطيع الإنسان أن يذكر العشرات من التصرفات الخرقاء الجاهلة التي تموج بها أرض العرب والتي، شئنا أم أبينا، خجلنا أم تعنتنا، تدلّ على وصول المشهد العربي العام إلى مرحلة الخرف.
عندما يخرف إنسان يرسل إلى مصح لحمايته من نفسه، ولكن ماذا نفعل بأمة مكوّنة من أربعمئة مليون من البشر؟
ربنا إننا لا نطلب رد قضائك ولكننا نطلب اللّطف فيه.
الخميس 9 شباط (فبراير) 2017
عندما يصاب وطن بالخرف
د. علي محمد فخرو
الخميس 9 شباط (فبراير) 2017
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
17 /
2473041
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
25 من الزوار الآن