عُقد مؤتمر باريس في موعده، وكان معروفاً الغرض من عقده قبل أن يصدر بيانه الختامي بل قبل أن تبدأ التحضيرات لعقده! هذا الغرض هو دعوة «الطرفين المعنيين» للعودة إلى طاولة المفاوضات! هل هذا الغرض يحتاج إلى اجتماع تحضره (75) دولة وهيئة دولية للمطالبة به؟
وإذا تذكرنا أن الجانب الفلسطيني هو الذي أوقف المفاوضات بعد فشل «الماراثون» الذي كان على رأسه الوزير جون كيري، ثم فشل المحاولات التي بذلها الجانب الفلسطيني للعودة إلى المفاوضات لأن نتنياهو تمسك بمقولته «بدون شروط مسبقة»، إذا تذكرنا ذلك كله نخرج بأن المؤتمر بالفعل ليس أكثر من «مؤتمر فوتوشوب»، لأنه يهدف إلى نشر الوهم بأن شيئاً قد تغير، بينما إعادة الجانب الفلسطيني إلى الطاولة بالشروط «الإسرائيلية» هو عمل يقوم على التزوير!
مع ذلك، كان رئيس الوزراء «الإسرائيلي» قد وصف المؤتمر بأنه «خدعة فلسطينية برعاية فرنسية»، وبأنه «عبثي»! ولا أجد سبباً للاختلاف مع نتنياهو في بعض ما ذهب إليه. فالمؤتمر، وفقاً لما سبق أعلاه، هو «خدعة» فعلاً ولكن لصالح نتنياهو وحكومته ودولته، وهو «عبثي» حقا لأنه لم يأت بجديد، بل أكد كل «المعوقات» التي منعت المفاوضات أن تصل إلى نتيجة عملية، وأهمل كل القضايا الرئيسية «العالقة والمؤجلة» منذ توقيع «اتفاق أوسلو»!! ذلك يظهر بوضوح أنه لم تكن من ضرورة لعقد هذا المؤتمر أصلاً! وإذا كان هناك من يعجبه عدد الحضور، أو من يرى أن المؤتمر أوصى بضرورة «حل الصراع» الدائر بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» من خلال «المفاوضات وحل الدولتين»، أو أنه طالب بوقف الاستيطان وعدم الاعتراف بالتغييرات التي حصلت منذ 1967، فإن كل ذلك سبق لمجلس الأمن أن شدد عليه في قراره الأخير رقم 2334، وهو أكثر أهمية من مؤتمر باريس العتيد!
إن أموراً تضمنها «البيان الختامي» للمؤتمر، تكفي لإظهاره مجرد «خدعة» للعودة إلى المفاوضات، كما تظهر عبثيته لأنه شدد على أمور معروف أنها كانت السبب في تعثر مسيرة عشرين سنة من المفاوضات وتحويلها إلى وسيلة وفرت للحكومات «الإسرائيلية» الوقت اللازم لتوسيع الاستيطان ومصادرة الأرض وتهويد القدس وتقطيع الأرض التي يفترض أن تقوم عليها «الدولة الفلسطينية»! وهذا ما يجعل التشديد على «حل الدولتين» كلاماً في فراغ بغرض الإلهاء وإتاحة الوقت لضم الضفة الغربية كلها، في وقت تزايدت مطالبات الأكثر تطرفاً في حكومة نتنياهو بالضم! ومن المضحك في هذا الإطار، أن يتضمن «البيان الختامي» التشديد على «عدم اتخاذ أي خطوات أحادية الجانب» ومطالبة الفلسطينيين (والإسرائيليين) بذلك، والمؤتمرون يعرفون جيداً أن كل الخطوات «أحادية الجانب» كانت «إسرائيلية»!
الأمر الآخر المهم جداً، هو أن تتضمن «توصيات» المؤتمر التشديد على ضرورة تلبية «احتياجات «إسرائيل» الأمنية، في الوقت الذي يعرف وزير الخارجية الأمريكية أن ما أفشل محاولته الأخيرة هو المفهوم «الإسرائيلي» لهذه «الاحتياجات الأمنية»، ومعروف للجميع أن كل تطلعات «إسرائيل» التوسعية توضع تحت هذا المفهوم. وإدراج هذه العبارة التي أصبحت «لازمة» لا بد منها في أي فكرة أو مشروع أو اقتراح لحل الصراع منذ صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 بعد حرب 1967، هو بمثابة وضع لغم في أساسات تلك الفكرة أو ذلك المشروع.
أمر آخر خلا منه «البيان الختامي» للمؤتمر يؤكد عبثيته وعدم حيازته على أي ميزة عن أي قرار أو اجتماع أو حتى حديث جرى حول موضوع الصراع في المنطقة، وهو عيب بدأ مع القرار 242، أي عدم ذكر القضايا الرئيسية في الصراع مثل: الحدود النهائية، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، و«تقاسم» الموارد الطبيعية. وكان تأجيل هذه القضايا يبرر عدم البدء ب«الأصعب» تسهيلاً للمفاوضات، لكن ذلك لم يسهل شيئاً ولم يحقق أي تقدم في أي مفاوضات. وخلو «البيان الختامي» منها مجدداً، يعني أن عقلية التآمر على الشعب الفلسطيني وقضيته مستمرة كما كانت دائماً ولم يتخل عنها الذين حضروا مؤتمر باريس!
المؤامرة مستمرة، والمتآمرون يستغلون تهافت أنصار «عملية السلام» على الفتات متشبثين بأي حبل مهترئ للبقاء في أماكنهم والحفاظ على امتيازاتهم. لقد كتب أحدهم زاعماً أن المؤتمر كان «اختراقاً سياسياً عظيماً» معترفاً بأن «هذا الاختراق السياسي العظيم لن يعيد فلسطين التاريخية، لكن جزءاً منها 23%». ويضيف: «لكن اليوم ليست النسبة والتناسب هي المسألة المهمة، وإنما شيء واحد فقط هو الحرية والخلاص من روث الاحتلال...»! وتناسى أن الحرية لم تكن رخيصة إلى هذا الحد، وأن من يتنازل عن ثلاثة أرباع حقه متمسكاً بالسياسات الانهزامية سيظل يرتع في روث الاحتلال!
الخميس 19 كانون الثاني (يناير) 2017
مؤتمر «فوتوشوب»
عوني صادق
الخميس 19 كانون الثاني (يناير) 2017
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
22 /
2473041
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
24 من الزوار الآن