دخلت معركة الإضراب عن الطعام، التي يخوضها مئات الأسرى الفلسطينيين شهرها الثاني، مع توالي التقارير الطبية عن تدهور الحالة الصحية للمئات منهم. وما زالت سلطات الاحتلال الصهيوني تصم آذانها عن مطالب هؤلاء الضحايا، وتواصل تعنتها واستكبارها، بينما لم يحقق التضامن من خارج السجون أي إنجاز يذكر، باستثناء بيانات المواساة والوقفات الرمزية، التي لا تتعدى الدقائق.
وبعد 32 يوماً من الامتناع عن الطعام والماء والأدوية المساعدة، لا يمكن لأي جسد آدمي أن يتحمل المزيد من الإضراب؛ لكنَّ الأسرى الفلسطينيين، الذين لا يملكون شيئاً أغلى من حياتهم، يمتلكون أجساداً أسطورية، فهم قد عزموا على خوض المواجهة حتى النهاية، فإما النصر والاستجابة إلى مطالبهم أو الشهادة وهي غاية أي مقاوم يؤمن إيماناً قطعياً بأن قضيته عادلة، وتتطلب التضحية والفداء بكل شيء مهما غلا. وبالنسبة إلى أسرى في سجون احتلال صهيوني يطفح حقداً وعنصرية، ليس لديهم غير سلاح الجسد، الذي يوظفونه في هذه المعركة الشريفة. أما كم ستتحمل هذه الأجساد من النقص الحاد في كل مقومات البقاء، فهذا أمر تجيب عنه الإرادة الوطنية الساكنة في نفس كل واحد منهم، فهي التي ألهمتهم كل هذا الصبر وما زالت. وبعد انقضاء شهر، لم يعد معلوماً كم ستحتاج هذه الإرادة من الثبات، والمدى الذي ستبلغه والصورة الأخيرة التي ستنتهي إليها هذه المواجهة.
إذا ما تداعى هؤلاء الأسرى ولم تتحقق مطالبهم، فتلك ليست مسؤوليتهم؛ بل مسؤولية المنظمات الدولية، التي تزعم مناصرتها لحقوق الأسرى والسجناء، والفصائل الفلسطينية والفعاليات العربية، التي اكتفت بإصدار بيانات الشجب والاستنكار دون الذهاب إلى التحرك القانوني بالضغط على الاحتلال أمام المحافل الدولية من أجل تحرير الأسرى، وفك العزلة عن قياداتهم، وفي هذا الظرف، الذي تشهد فيه المنطقة حراكاً ديبلوماسياً وخوضاً في قضايا كثيرة بينها القضية الفلسطينية، وعنوانها الأبرز محاولة إحياء «مفاوضات التسوية» ووقف الاستيطان، أما ملف الأسرى الذي يمكن أن يكون مدخلاً مثالياً لإحياء القضية لدى الرأي العام الدولي فما زال على هامش المطالب. ورغم أن كل يوم من إضراب الأسرى يمر بثمن، سجلت الجامعة العربية ممثلة في أمينها العام أحمد أبو الغيط تحركاً وضغطاً في الفترة الأخيرة، لوقف الانتهاكات والتجاوزات بحق الأسرى في سجون الاحتلال، وما يدعو إلى القلق أن الكيان الصهيوني لا يستجيب لأغلب الدعوات خصوصاً عندما يكون مصدرها عربي؛ لذلك يجب تصعيد النداءات والتحرك الفوري نحو الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، للمطالبة بوضع حد لهذه الغطرسة اللاإنسانية. فقد يكون هذا التوجه مثمراً إذا عمل على استقطاب التعاطف الدولي والمواقف المساندة التي عبرت عنها برلمانات وشخصيات غربية في أكثر من مناسبة ضد السياسات الصهيونية.
الحالة الصحية للأسرى بلغت مرحلة الخطر طبياً، أما سياسياً فيجب أن تصل هذه المعركة إلى القطاف، وتحقيق ما يجب أن يتحقق، ولا عجب أنه بعد هذه المقاومة الطويلة بالأمعاء الخاوية مازال الأسرى في مختلف المعتقلات ينضمون بالعشرات إلى من سبقوهم من أجل ألا تفقد هذه المواجهة أصداءها، وتستمر إلى النهاية الموعودة بالنصر على الاحتلال، وجعله هو من ينكسر وليس الأسرى الجائعون.
الجمعة 19 أيار (مايو) 2017
الأسرى وسلاح الجسد
مفتاح شعيب
الجمعة 19 أيار (مايو) 2017
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
20 /
2484496
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
35 من الزوار الآن