المصالحة الحمساوية الفتحاوية وبمباركة مصرية، من الواضح وإنْ كانت تسير ببطء، إلاّ أنها وفي شيء من التفاؤل تبدو خطواتها ليست كسابقاتها من اتفاقات المصالحة خلال عقد من الزمن. ولكن من حقنا جميعاً ومن موقع المصلحة أن نضع أيدينا على قلوبنا، وألاّ نندفع بقوة نحو الإعلان أنّ المصالحة قد نجحت أطرافها في وضع أقدامها بثبات على طريق إنهاء الانقسام، ولنا أسبابنا التي نتشاطر فيها حتى مع بعض أبناء الحركتين ولربما مع بعض من قياداتهما، وإليكم مبرّراتنا…
– وجود المتضرّرين، وهذا نجده بالأمر الطبيعي، في كلّ مكان يتواجد هؤلاء وهم لا يستهان بهم ولا بإمكانياتهم وقدراتهم على التعطيل وحتى التخريب من داخل الحركتين أو من خارجهما. وأثبتت الاتفاقات السابقة صحة ذلك، فما أن يتمّ الإعلان عن قرب التوصل أو التوصل إلى اتفاق، نجد أنّ عقارب إنهاء الانقسام تعود للدوران بفعل هؤلاء المتضرّرين و«كأنك يا أبو زيد ما غزيت»، ليبدأ التراشق السياسي والإعلامي والاتهامات المتبادلة من جديد. والشواهد كثيرة، والجميع يعرفها وعايشها من هنا ومن هناك.
– سلاح المقاومة والتخلص منه، إنما كان ولا يزال يمثل هدفاَ استراتيجياً لدى الكثير من الأطراف بما فيها السلطة، التي لطالما كرّر الناطقون باسمها، أنّ قرار الحرب والسلم يجب أن تكون حصريته بيد السلطة ورئاستها دون سواها. وعليه فإنّ الموضوع غير مطروح الآن، ولكن سيبقى على طاولة وأجندة الآخرين. وقد تمثل تصريحات الدكتور موسى أبو مرزوق من موسكو لجريدة «الحياة» اللندنية تطميناً للسلطة ورئيسها، على أنّ حماس لن تتفرّد بقرار الحرب، فقال: «إنّ الحركة مستعدة لتقاسم المسؤولية عن صنع قرار الحرب والسلام في شكل إيجابي مع القيادة. وانّ قرار الحرب والسلام مسؤولية وطنية وقرار جماعي، وحماس مستعدة لالتزام المسؤوليات الوطنية، لكن لا بدّ من التوافق على كلّ ما هو مطروح في الساحة السياسية، وكلّ ما يتعلق بمصير ومستقبل الشعب الفلسطيني». ولكن السؤال المشروع هل هذا كافٍ لبقية الأطراف بما فيهم «إسرائيل» التي تراقب عن كثب كيفية التعاطي المصري أولاً ومن ثم السلطة مع هذا الملف الأكثر حساسية وخطورة بالنسبة لأمن الكيان ومستقبله. وهذا ما ذهب إليه يوني بن مناحيم، محلل الشؤون العربية في الإذاعة العبرية العامة في مقال له بموقع «نيوز وان» الاخباري العبري «أنّ حركة حماس ترفض التخلي عن سلاحها، وهو ما سيؤدّي بالطبع إلى ضرورة أن تحدّد تل أبيب موقفها من هذا الأمر، إذا سارت المصالحة في طريقها بشكل جيد». وأضاف بن مناحيم، إلى أنّ مصر وإسرائيل لا تريدان رؤية آلاف الصواريخ في أيدي حركة حماس، على الرغم أنّ مصلحة مصر تريد أن يكون لدى حماس قوة عسكرية مدرّبة قادرة على حفظ الحدود وتمنع تهريب الإرهابيين والسلاح إلى شمال سيناء. والمصلحة الإسرائيلية فهي الحفاظ على الهدوء في غزة، مع ضرورة الحيلولة دون تعاظم القوة العسكرية لحركة حماس وتطوير أدوات حرب جديدة تهدّد قلب إسرائيل».
– تفاهمات حماس والنائب محمد دحلان، ما هي مصيرها في ظلّ الرفض المعلن من قبل فتح رئيساً وقيادات لأية مصالحة مع دحلان وتياره، على اعتبار أنّ دحلان ومن معه مفصولون من حركة فتح، ولا إمكانية لعودتهم إلى صفوف الحركة لألف سبب وسبب، وفي مقدمتها رئيس «التيار الإصلاحي داخل فتح» الذي يمثل خطراً جدياً على كثير من الرموز الفتحاوية بمن فيهم رئيس السلطة، على اعتبار أنّ العديد من الدول العربية تعمل على أن يكون دحلان بديلاً لأبي مازن في حال حصول فراغ في رئاسة السلطة لسبب أو آخر.
هذه التفاهمات يهمّ حركة فتح والسلطة على حدّ سواء أن يتيقنوا عن مصير تلك التفاهمات وإلى أين ستنتهي بالسلب أو الإيجاب. ولعلّ ما صرّح به إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أمام الاجتماع الذي دعي إليه قادة الفصائل الفلسطينية، ونواب المجلس التشريعي، وشخصيات العمل الوطني، في فندق الكومودور في قطاع غزة، من تأكيده على حرص حركته الإلتزام بالتفاهمات التي أبرمتها مع «تيار الإصلاح في فتح»، الذي يقوده النائب محمد دحلان، وهي ملتزمة بها. وإنْ كان هنية قد أعرب عن أمله أن تتمّ المصالحة الداخلية في حركة فتح، لأنّ حركة حماس معنية بفتح قوية ومتماسكة وموحدة. وأضاف هنية قائلاً: «التقينا مؤخراً مع عدد من قيادات «التيار الإصلاحي» في القاهرة، في مقدمتهم سمير المشهراوي، وقد أبدوا دعمهم للمصالحة الوطنية الشاملة، وأكدوا لنا أنهم لن يكونوا سبباً في إفشال هذه المصالحة، بل سيكونوا داعمين لها». وبدوره وفي اللقاء ذاته كرّر يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة، تأكيدات هنية حول التزام حماس بالتفاهمات مع دحلان، مشدّداً على أنّ التفاهمات مع «تيار الإصلاح» قائمة وستستمر، ولن تجعلها موضوع تفاوض مع أحد.
– ملف الموظفين، الذي مثل خلال كلّ الحوارات السابقة العقبة التي لا يمكن تجاوزها بسهولة لسببين، الأول أنهم جميعاً من حركة حماس وتمّ توظيفهم خلال فترة سيطرة حماس على قطاع غزة، مما يشكل تغييراً في البنية الحكومية في القطاع لصالح حماس، لأنّ منهم مدراء الوظائف الأولى، ووكلاء الوزارات إلخ… والثاني أنّ عددهم الذي يتجاوز الـ 42 ألف موظف، ليست هناك إمكانية لتوفير التغطية المالية لهم. وهذا ما أكده وزير مالية السلطة شكري بشارة حين قال: «إنّ موازنة السلطة تعاني من عجز كبير، كما أنّ السلطة تعاني من تضخم وظيفي، ولا يمكن استيعات 40 ألف أو 50 ألف موظف جديد من الذين وظفتهم حركة حماس في قطاع غزة». وبالتالي لطالما وضعت حماس هذا الملف في سلم أولوياتها، بل شرطاً لا تنازل عنه، ودونه لا مصالحة ولا إنهاء للانقسام.
– الأجهزة الأمنية، وهي إشكالية حقيقية أيضاً في طريق المصالحة، على اعتبار أنّ الأجهزة الأمنية برؤيتها ووظيفتها قد صاغتها حركة حماس، وبالتالي مطالبة الحركة بضرورة دمج هذه الأجهزة في أية أجهزة ستعمل حكومة الوفاق أو التوافق الوطني على إعادة هيكليتها أو صياغتها، من شأنه ان يشكل على الدوام بالنسبة للسلطة وحزبها حركة فتح مخاوف وهواجس جدية في إحكام السيطرة على تلك الأجهزة أو تقديم الولاء المطلق للسلطة وحكومتها.
– ملف أراضي وقف السلطة، وكيفية إعادة الأراضي التي تمّ وضع اليد عليها من حماس، واتهامها أن قد قامت بتوزيعها على عناصرها من منتسبين وكادرات وقيادات، وهي ليست بالمساحات القليلة. والسلطة وحكومتها اعتبرتها خلال المرحلة الماضية أنّ وضع حماس يدها عليها جاء بحكم الأمر الواقع، ولا قانونية لتلك الإجراءات.
– معبر رفح، وكيفية إدارته، ومن المسؤول عنه، هل هي السلطة التي تعلن أحقيتها من خلفية أنها الشرعية؟ أم تيار النائب محمد دحلان؟ وهو الذي كان قد رصد 5 ملايين دولار من أجل إعادة تأهيله وصيانته، بعد التفاهمات بينه وبين حركة حماس.
ما سلف ذكره حقيقة يجعلنا على الدوام متوجّسين من سقوط الفرصة الأخيرة لتلك المصالحة. وعليه من سيُدوّر الزوايا للآخر، حماس أم فتح، أو كلاهما بفعل العصا السحرية المصرية، التي قد تتحوّل إلى عصا في مواجهة المُعطّل لتلك المصالحة. خصوصاً أنّ هناك من يسابق الزمن على المسرح الدولي والإقليمي وأولهما «إسرائيل» لكي تفرض رؤية حلّ على السلطة، قبل أن تتمكن قوى المقاومة التي تحقق نحاجات متسارعة، من قلب الطاولة بوجه من صاغ ورعى وسوّق لما يسمى بـ«صفقة القرن» بهدف تصفية القضية الفلسطينية.