من الثوابت المجازية المتكررة في أدبيات ياسر عرفات أو في لغته السياسية كانت عبارة «..أنني أرى ضوءاً في آخر النفق..» في إشارة إلى الأمل العظيم الذي كان يحمله «الختيار»، ويعول عليه بأطفال وفتيان فلسطين أكثر من تعويله على بعض القيادات التي كان يعرف فسادها من داخلها، ولذلك، كان «الشبل» الفلسطيني هو هذا الضوء في آخر النفق، ولم يكن ذلك مجازاً، بل كان أملاً متحققاً على أرض الواقع عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية في النصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين، وكانت الحجارة عنوانها العالمي إلى جانب المقلاع.. وكان أحد تجليات ذلك الضوء، غير أن النفق كان أطول مما توقع صاحب الكوفية المرقطة وبدلة الكاكي التي لم يخلعها حتى وهو يركب الطائرة بجسد متهالك من أثر السم الذي لم يعرف على وجه الدقة من دسه له حتى الآن.
أمل الرجل الذي كان يمكث في طائرة أكثر مما ينام في سرير كان الطفل الفلسطيني، وهي ليست نبوءة قائد كاريزمي حيوي حتى في شيخوخته التي كانت محاصرة في رام الله فحسب. بل هي أيضاً قراءة سياسي يعرف على من يعول.
أكتب ذلك من خلال حيثيات اللحظة الفلسطينية الراهنة.. لحظة الضوء الطفولي والنفق الممتد حتى الآن تحت الأرض وفي السماء وفي السياسة، وحتى في الثقافة الفلسطينية، أي أن هناك أنفاقاً اليوم وليس مجرد نفق واحد، ومقابلها كثر الضوء وانتشر، وأقصد بذلك، أن الأبطال الفلسطينيين اليوم هم الأطفال والفتيان والفتيات والشباب في متواليات زمنية وثقافية ووطنية بعيداً جداً عن متواليات السياسة وانتهازيتها وسكوتها على الغش والفساد والكذب والادعاءات البالونية المنفوخة، وأن ثنائية «الثوري» الذي انتقل من «الخندق» إلى «الفندق» معروفة تماماً وبخاصة عند أولئك الشعبيين والبسطاء أهل التراب من أبناء فلسطين.
روى لي صديق منذ الإعدادية توجه إلى الطيران وأصبح مضيفاً على متن طائرات إحدى الشركات العربية، قائلاً إنه وهو يقدم وجبة الطعام في إحدى الرحلات عرف جيداً أحد الوجوه القيادية الفلسطينية كان في رحلة طويلة إلى عاصمة عربية، وتحدث لي ذلك الصديق مذهولاً أن الرجل اشترى من مبيعات الطائرة عطوراً فقط بمئات الدولارات، هذا غير الساعات وأشياء أخرى من الواضح أنها هدايا.. وهذا في السماء، فيما كان الأطفال الفلسطينيون في سياق ثقافة الحجارة يواجهون عدوهم التاريخي على الأرض.
ليست هذه الحكاية، بل، هي حكاية الضوء والنفق، واليوم، تمتلئ المعتقلات «الإسرائيلية» بأطفال وفتية من الجنسين.. البعض تصدر بحقهم المحاكم الصهيونية أحكاماً طويلة بالسجن، والبعض يحرم من مدرسته ورؤية أهله، والبعض من هؤلاء الأطفال يخرج معطوباً في نفسيته وفي بدنه، والبعض أيضاً يغادر السجن ووجهه.. ذلك الضوء.
كان ياسر عرفات يسافر كثيراً، ويبدو أنه كان لا يحب الهدايا ولا العطور، وهو لم يعش إلى نهاية النفق، ولكن كلما طال هذا النفق، تطول معه قامات الأطفال الفلسطينيين، ويتحولون بلغة أدبية ليست سياسية إلى مجموعة من القناديل المتوالية.. على شكل قصائد قصيرة.. أو الأصح على شكل توابيت خشبية صغيرة بعضها في حجم علبة كبريت.. لكي لا ينطفئ ذلك الضوء.
الثلاثاء 21 شباط (فبراير) 2017
حكاية الضوء والنفق..
يوسف أبولوز
الثلاثاء 21 شباط (فبراير) 2017
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
28 /
2473041
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
19 من الزوار الآن