انقسم الفلسطينيون في نضالاتهم، أو ربما بكلمات أدق، انقسم العمل من أجل فلسطين في العمل العربي إلى ثلاث مقاربات. الأولى، القانونية والدبلوماسية التقليدية. والثانية الكفاح المسلح، والثالثة المقاومة الشعبية المدنية. والآن مع إضراب الأسرى الراهن، هناك شبه إجماع أنّ الوسائل الدبلوماسية والقانونية ومعها المقاومة الشعبية هي سبل نصرة الأسرى، ويصبح السؤال ماذا مع حالة التعثر الراهنة في الوسيلتين؟
لقد كان جزء من الثورة المسلحة الفلسطينية في الستينيات احتجاجا وإعلان نفاد صبر من الحلول الدبلوماسية. حتى أنّ أغنيات الثورة الفلسطينية حينها تضمنت تركيزاً كبيراً على رفض المؤتمرات والحلول الدبلوماسية.
حقق الكفاح المسلح إنجازات كبيرة للشعب الفلسطيني، وكان رافعة للكيانية الفلسطينية، ووقودا للهوية الوطنية الفلسطينية، ثم تمّ ترويج قناعة، أنّ ما "زرعته" البندقية، من قبل منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها، سيتم "حصاده" لصالح الفلسطينيين بقيادة المنظمة. ومع تعثر هذا الحل نهاية التسعينيات، ومرارة وفداحة الثمن الذي تم دفعه في انتفاضة الأقصى العام 2000 - 2004، جرى التركيز كثيراً على أنّ المقاومة المدنية الشعبية، هي سبيل العمل الفلسطيني، بالتآزر مع الدبلوماسية والقوانين الدولية.
بالتأكيد أن كلا من الدبلوماسية والعمل الدولي كما المقاومة الشعبية، ليست ابتداعاً حديثاً فقد تم العمل بواسطتها طويلا، فالقضية الفلسطينية مطروحة في المنظمات الدولية، منذ مائة عام، والمقاومة المدنية مستمرة دائماً، وبلغت ذروتها في انتفاضة العام 1987. ولكن تم "تسويقهما" منذ سنوات على أنهما جناحي استراتيجية فلسطينية جديدة. ومن هنا ابتدع مصطلح "تدويل الصراع".
لم تتبنَ القيادة الفلسطينية المقاومة المدنية حقاً، أو أنها لا تستطيع تبنيها للدرجة التي تحولها إلى جزء حقيقي من استراتيجية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم تتبنَ القيادة الفلسطينية أو فصائلها الأساسية، وتحديداً حركة "فتح" برنامجا فاعلا للمقاطعة الاقتصادية، فاقتصرت دعواتها الخارجية لمقاطعة المستوطنات، ودون حملات كبرى تذكر لهذا الغرض، هذا إضافة إلى أن اقتصاد المستوطنات اقتصاد هامشي في الاقتصاد الإسرائيلي. وداخلياً لم توضع قوانين أو تشريعات تفرض مقاطعة على البضائع الإسرائيلية، حتى عندما يجري التمييز ضد البضائع الفلسطينية ومنع دخولها للإسرائيليين ما يبرر سلوكا مضادا. ولم تتبنَ أو تنفذ القيادة والفصائل الفلسطينية برامج مقاومة مدنية، حتى في حالات توتر وتعبئة عالية شعبياً، كما في هبة 2015/ 2016، وحالة إضراب الأسرى. وبقيت المبادرات التضامنية، وحتى فعل المواجهة مع الاحتلال، بمبادرات شعبية وفردية، دون استراتيجية فصائلية أو رسمية. ويمكن الإشارة لمناسبات عدة تفاعل فيها الشارع بقوة مع أحداث، مثل مسيرة 48 ألفا في رمضان، العام 2014، وهبة 2015/ 2016، وأخيراً إضراب الأسرى الراهن. فرغم اشتراك كثير من الكوادر من أعضاء الفصائل في النشاطات، ومبادرتهم لها، ورغم دور هيئات وأندية الأسرى في النشاطات التضامنية، إلا أنّ الفصائل لم تتمكن من قيادة برنامج ميداني بالقوة الكافية، حتى عندما حاولت قيادات فيها، بشكل فردي، فعل ذلك. دون أن يلغي هذا أنه في حالة انتفاضة الأسرى تحديداً، قامت لجان الأقاليم والمناطق في حركة "فتح" تحديداً بالدعوة لنشاطات وفعاليات عدة. ولكن دون النجاح في تحويل ذلك لبرنامج شعبي شامل، يتعدى إطار فعاليات متفرقة. وكان هناك غياب واضح للتنظيمات في عدد من المناسبات الرئيسية التضامنية، مثل مسيرة ميدان نيلسون مانديلا المركزية، في رام الله، يوم 3/5/2017، وكانت المبادرات شعبية بالدرجة الأولى دون فاعلية للماكينات الفصائلية، ومثلا لم تقم هذه التنظيمات بتعظيم المقاطعة الاقتصادية بهذه المناسبة، ولم تنظم مهرجانات جماهيرية كبرى.
في بعض المسيرات قام بعض الشبان بإطلاق الرصاص في الهواء، وبغض النظر عن خشية البعض أن يكون هذا نذير انفلات أمني، ولاستخدام السلاح في تجاذبات داخلية فلسطينية، وأثر هذا على إجهاض فعل مدني واسع وشامل، فإنّ الحقيقة الموضوعيّة، أنّه إذا بقيت الأساليب الدبلوماسية والقانونية متعثرة، وتختفي كلما جرى الحديث عن مفاوضات، فيما لا تتطور حملات المقاومة الشعبية، وبقيت حالة العجز الفصائلي، وحالة الخلط والتضارب بين مهام حفظ الأمن والأجهزة الأمنية والمقاومة الشعبية، فإنّ هناك سيناريوهين يفرضان نفسهما، أولهما، لجوء مجموعات صغيرة لأساليب منها المقاومة المسلحة. وثانيا، أن تفرض فكرة تشكيل أطر تنظيمية جديدة نفسها على الأجيال الجديدة.
الأربعاء 24 أيار (مايو) 2017
عندما تفشل الدبلوماسية والمقاومة الشعبية
د. احمد جميل عزام
الأربعاء 24 أيار (مايو) 2017
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
19 /
2473041
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
20 من الزوار الآن