شهد الأسبوع المنتهي، وجهين من أوجه أزمات إسرائيل الداخلية المركزية، التي تهدد مشروعها الصهيوني ككل، فمنها أزمات قائمة وترافقها منذ الإعلان عن الكيان، ومنها ما نشأ لاحقا. كما أن من هذه الأزمات ما يعلو ويخبو، مثل الصراع الطائفي اليهودي-اليهودي، والصراع الديني العلماني، ومنها ما هو في حالة تصاعد مستمر، مثل تنامي قوة العصابات الإرهابية الاستيطانية وسيطرتها على أروقة الحكم.
فقبل أيام، كشفت القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي مقطع فيديو لعرس لأحد عناصر الإرهاب الاستيطاني، تظهر فيه مجموعة من الإرهابيين يرقصون وهم يُشهرون أسلحتهم الرشاشة وزجاجات حارقة، والأخطر أنهم كانوا يلوحون بصورة للطفل الرضيع الشهيد علي أحمد دوابشة، الذي استشهد في اليوم الأخير من شهر تموز (يوليو) الماضي، بجريمة حرق بيت عائلته على يد الإرهابيين المستوطنين. وخلال الرقص كانوا يطعنون الصورة بالسكاكين.
وانتشر هذا المشهد، في أوج حملة ضغط تشنها هذه العصابات، مدعومة من أقطاب في الحكم الإسرائيلي، للضغط على جهاز المخابرات العامة "الشاباك" لإطلاق سراح المشبوهين بجريمة حرق عائلة دوابشة. وحتى الآن جرى تحرير اثنين من الإرهابيين، وتحويلهم إلى "الحبس المنزلي"، وهناك من يراهن على أنهم جميعا سيطلق سراحهم، أو تبرئهم المحكمة، بسبب تواطؤ الأجهزة القضائية والنيابة مع الإرهاب الاستيطاني.
وأمام مشهد مفضوح كهذا، يعكس جوهر الصهيونية ويكشفها على حقيقتها، ترى ساسة إسرائيل على مختلف تلوناتهم، "يشجبون ويستنكرون"، رغم أن ما حصل يعكس بالضبط عقليتهم الصهيونية مرتكبة المجازر والتهجير على مر عشرات السنين. ولكن من ناحية أخرى، بالإمكان قراءة القلق الحقيقي عند أوساط يهودية تعي حقيقة أن إجرام هذه العصابات الإرهابية لن يتوقف عند العرب والفلسطينيين، بل سيمتد لا محالة إلى داخل الشارع الإسرائيلي، ضد كل من يخالفها الرأي والنهج. وملامح كثيرة لهذا بات يلمسها الشارع، وحتما ستستفحل مستقبلا، ولهذا فإن هذه العصابات الإرهابية ستشكل على المدى المنظور، أزمة حادة على المستوى الإسرائيلي الداخلي.
الوجه الثاني لأزمات إسرائيل الذي ظهر في الأسبوع المنتهي أيضا، كان من خلال تبني الحكومة لمشروع قانون يفرض قيودا أكثر تشددا ضد المحال التجارية التي تفتح أبوابها أيام السبت، في مناطق اليهود. ما يعني شد خناق أكثر على جمهور العلمانيين الذي يطالب على مر السنين بتحريره من قيود الشريعة اليهودية التي تتحكم بمأكله ومواصلاته وبأيام راحته، في نهاية الأسبوع والأعياد، وفوق كل هذا تتحكم بمن هو يهودي، وهذه قضية أوسع من إسرائيل.
وتبني هذا القانون، يعكس سطوة التيار الديني المتشدد، وخاصة التيار الديني الصهيوني، على سدة الحكم، ويلاقي سندا في تحقيق أهدافه من سياسيين علمانيين، أبعد ما يكونون عن تطبيق الشرائع الدينية المتزمتة، إلا أنهم من المعسكر اليميني المتشدد الذي يتحكم فيه هذا التيار الديني الصهيوني، وتقدمهم في الحياة السياسية مرتبط بقدر كبير بالمتدينين. وهذا يبرز بطبيعة الحال في أحزاب المستوطنين، ولكنه بات ظاهرة طاغية على الحزب الحاكم في السنوات الأخيرة، حزب "الليكود"، بزعامة بنيامين نتنياهو.
ومن علامات قدرة هذا الملف على تفجير أزمة حادة داخل الشارع الإسرائيلي، أن الائتلاف الحاكم، وبعد ثلاثة أيام من تبني هذا القانون، اضطر الى تأجيل التصويت عليه في الكنيست، ولكنه سيبقى مطروحا للتصويت، إذ إن قوانين أخرى تنتظر اللحاق به، وهي القوانين التي ستشدد أكثر في مسألة الحلال اليهودي. فقد فهم الائتلاف ذو الأغلبية الهشة أنه في ورطة أمام الشارع، الذي غالبية اليهود فيه هم من العلمانيين المتحررين من القيود الدينية. كذلك فإن هذه القيود ستساهم في تخفيض الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، المتراجعة أصلا في السنوات الأخيرة.
ومن بين من يقرأون مستقبل إسرائيل في ظل أزماتها الداخلية كان الدكتور حاييم مسغاف، الكاتب في صحيفة "معاريف"، إذ قال في ختام مقال له: "لست أدري اذا كان العرب قرأوا تاريخ شعبنا، ولكنهم بالتأكيد يعرفون منذ الآن بأن ما عليهم إلا أن ينتظروا بصبر بضعة أجيال أخرى حتى يسقط كل شيء في حضنهم كثمرة ناضجة..."؛ والكلام لمسغاف، ولكثيرين مثله.
الجمعة 25 كانون الأول (ديسمبر) 2015
إسرائيل أضعف من أزماتها
بقلم:برهوم جرايسي
الجمعة 25 كانون الأول (ديسمبر) 2015
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
72 /
2484496
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
35 من الزوار الآن