] الأسرى والإضراب على الطريقة الإيرلندية - [طُوفانُ الأَقصى]
الجمعة 19 أيار (مايو) 2017

الأسرى والإضراب على الطريقة الإيرلندية

راسم عبيدات
الجمعة 19 أيار (مايو) 2017

الآن بعد اثنين وثلاثين يوماً من الإضراب المفتوح عن الطعام، يدخل إضراب أسرانا الأبطال في سجون الاحتلال، مرحلة نوعية وخطرة جداً، فالثلاثة وعشرون إضرابا مفتوحاً عن الطعام التي خاضتها الحركة الأسيرة، منذ بداية الاحتلال عام 1967 سقط فيها العديد من الشهداء أبا الفحم وحلاوة والجعفري ومراغة وفريتخ وعبيدات وغيرهم، ولكن في أي من تلك الإضرابات، لم يتوقف الأسرى عن تناول الماء.

في ظل صلف وعنجهية الاحتلال من إدارة مصلحة سجون وأجهزة مخابراتها إلى وزير الأمن الداخلي «الإسرائيلي» والمستوى السياسي الصهيوني برفض التفاوض مع أسرانا بشأن مطالبهم الإنسانية المحقة والعادلة، تدخل المعركة مرحلة جديدة نوعية وخطرة جداً وستؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ الحركة الأسيرة، هي مرحلة الاشتباك مع المحتل حتى الموت والشهادة على غرار الإضراب الذي خاضه أسرى الجيش الجمهوري الإيرلندي، جناحه السياسي «الشين فين» ضدّ الحكومة البريطانية من أجل الاعتراف بهم كأسرى حرب، معركة وحرب خاضها المناضل بوبي ساندز ورفاقه من أسرى الجيش الجمهوري الإيرلندي في 1/3/ 1981 ليُستشهد بعد أربعة وستين يوماً من الإضراب في 5/5/1981 وليحمل الراية من بعده رفاق آخرون له، ولم يتوقف هذا الإضراب سوى في الثالث من تشرين الأول 1981 بعد استشهاد عشرة من مناضلي الجيش الجمهوري في السجون البريطانية.

صحيح معركة قاسية دفعوا فيها دماء وشهداء، ولكنهم في النهاية حققوا مطالبهم. نعم، هي الآن حرب واشتباك مفتوحان مع المحتل. هو صحيح اشتباك خطر جداً، ولكن كلنا أمل بأن ينتصر أسرانا في هذه الحرب. فالأسرى الآن يرفعون شعارهم الخالد، شعار «نموت واقفين ولن نركع» و«نعم للجوع وألف لا لا لا للركوع»، ولكن هذه المرة بطريقة مختلفة عن الطرق والأشكال السابقة كلها. إضراب مفتوح عن الطعام ومتواصل حتى الشهادة من دون ماء أو ملح على الطريقة الإيرلندية.

اليوم مع اقتراب الساعة الصفر لخوض أسرانا البواسل هذا الشكل من الإضرابات، ضد الحرب الشاملة التي تشنّها عليهم إدارة مصلحة السجون «الإسرائيلية» وأجهزة مخابراتها، حرب تقتلهم في اليوم ألف مرة، حرب تعزل مناضلين في العزل الانفرادي لسنوات في ظروف مفتقرة كل مقوّمات الحياة البشرية، ناهيك عن منع وقطع كل أشكال التواصل بين الأسير والعالمين المحيط به والخارجي، وبما يعني قتلاً بطيئاً للمناضل ودفناً له في الحياة، وكذلك الحرمان من العلاج الطبي وزيارات الأهل والحق في التعلّم، والاقتحامات اليومية لغرف وأقسام الأسرى والتنكيل بهم بطرق وحشية، واستمرار سياسة الاعتقال الإداري المخالف لكل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية، لكونه يُبقي على اعتقال الأسير من دون تهم ومحاكمة، بل هي تقارير استخبارية سرية كاذبة ومفبركة، تخضع لأمزجة أجهزة مخابرات الاحتلال، تبقي الأسير سنوات عدة في الأسر.

المعركة بنوعيتها وخطورتها لها الكثير من النتائج والتداعيات المترتبة عليها، حتى لو سقط فيها شهداء على غرار إضراب الجيش الجمهوري الإيرلندي، فهي معركة في حالة الانتصار فيها، ستوجه هزيمة ساحقة لمصلحة السجون «الإسرائيلية» وأجهزة مخابراتها والحفنة القليلة من الأسرى الذين فضلوا مصالحهم الخاصة وامتيازاتهم على المصلحة العامة للحركة الأسيرة. فهي تُسقط إلى غير رجعة مشروع ادارة مصلحة السجون باستمرار تفكيك الحركة الأسيرة وانقسامها، وتفريغها من محتواها النضالي والثوري، وستؤسّس نحو استعادة وحدة الحركة الأسيرة لقيادتها الاعتقالية المركزية الموحدة، ولوحدة مؤسساتها الاعتقالية ووحدة برنامجها وأداتها التنظيمية الوطنية الموحدة، وكذلك تستعيد الحركة الأسيرة عافيتها ودورها وتاريخها ومكانتها كملهم ونموذج في أذهان شعبها، وستوجه لطمة قوية لكل مَن يقولون باستمرار انقسام الحركة الأسيرة خدمة لأجنداتهم ومصالحهم.

الهزيمة تعني تفكيك وتعميق انقسام الحركة الأسيرة، وفرض إدارة مصلحة السجون «الإسرائيلية» المزيد من الشروط والإملاءات عليها، وتحوّل وجودها كماً مفرغاً من أي محتوى نضالي ووطني، ينشد الخلاص الفردي، بحيث تحل الجهوية والعشائرية والمصالح الخاصة، بدلاً من العلاقات التنظيمية والوطنية. ولذلك حتى لا تهزم الحركة الأسيرة في معركتها الاستراتيجية، ليس مطلوب منها فقط أن تنتصر لذاتها، حيث إن هناك من الأسرى ما زال يمارس دور المتفرّج والمراقب، وينتظر إذناً من حزبه أو تنظيمه، لكي يقرر الانضمام من عدمه، والمشاركة هنا فرض عين على كل أسير، لا تحتاج الى أذونات ولا أوامر او تعليمات من تنظيمات او أحزاب، هو قرار ذاتي لمناضل ينسجم مع ذاته وقناعاته. فهو في خندق النضال المتقدّم، يفرض عليه الوقوف الى جانب اخوته ورفاقه في هذه الحرب المستهدفة لهم وجوداً وحقوقاً ومنجزات ومكتسبات، والجماهير الشعبية والقوى والأحزاب والمؤسسات الحقوقية والإنسانية والمجتمعية، عليها أن تستنبط أشكال الدعم والمساندة لهم كافة، في نضالات شعبية دائمة ومستمرة، تشكل عامل ضغط قوي على المحتل من اجل الاستجابة لمطالبهم الإنسانية العادلة، وبما يمنع سقوط شهداء في هذه المعركة المصيرية. وهنا مطلوب من السلطة والقوى والأحزاب، أن تفعّل قنوات الضغط السياسي والدبلوماسي والحقوقي كلها على كل الصعد والمستويات في الخارج، بما في ذلك طلب جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، لبحث جرائم الاحتلال بحق أسرانا، ودفعهم نحو الموت.

إن بقاء مواقف السلطة، من دون مستوى الخطر الجدي الذي يواجه أسرانا في سجون الاحتلال، يفقدها المزيد من حالة فقدان ثقة الجماهير بها، ويجعلها في دائرة الاتهام بعدم قيامها بواجباتها ومسؤولياتها تجاه هؤلاء الأسر، الفئة الأكثر تضحية وعطاء.

إن الحركة الأسيرة مصمّمة على مواصلة إضرابها المفتوح عن الطعام، حتى تحقيق مطالبها، ولذا وجب علينا دعمها ومساندتها، فخذلاننا للحركة الأسيرة، له معانٍ كبيرة في سفر النضال الوطني الفلسطيني، معناه خيانة الجماهير طليعتها المناضلة التي ضحت من أجلها، فهل يُعقل ذلك؟


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2473041

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010