بشعر أبيض غزا مفرقه ونحول فى الجسد بدا خاسرا وزنه، وبدموع انحدرت على خديه، وأمام حشد من عشرين ألفا من مناصريه فى مدينة شيكاغو، ظهر أمامهم أوباما محتضنا زوجته وابنته الكبرى ماليا بعد أن غابت الصغرى ساشا لارتباطها باختبارات مدرسية، معلنا فى خطبة الوداع انتهاء عصره بعد ثماني سنوات على سدة الحكم كأول رئيس من أصول أفريقية يحكم أميركا، هذا النحيل الأسمر فصيح اللسان المصطنع المثل، جاء واعدا الأميركيين والعالم انتهاء عصر الحروب الأميركية خارج الحدود، واستبشر سكان الأرض خيرا بمقدمه الميمون وازداد الأمل لدينا نحن العرب عندما ألقى خطبته العصماء بجامعة القاهرة فى يونيو 2009، فى أول زيارة للشرق الأوسط معلنا عصرا جديدا للعلاقات الأميركية العربية يسوده الاحترام، لكنه حمل فى حقيبته أحاديث السلام واستكمل مشوار الحرب، وماهى سوى أعوام قليلة لتشتعل النيران فى عالمنا العربى، وتدك الاحتجاجات الشعبية المدبرة أركان الدول العربية استكمالا لمشروع الفوضى الخلاقة، والتخلص من بعض الأنظمة الحاكمة بدعوى احلال الحرية والديمقراطية، لكنه ضلع فى الحاق ضرر كبير بعالمنا العربى لايمكن اصلاحه على امتداد أعوام قادمة، بتلك السياسة الرعناء استطاع تدمير دول كثيرة ابتداء من العراق مرورا بتونس ومصر وليبيا ودول الخليج ( مستخدما معهم سلاح النفط) وصولا لتدمير سوريا واليمن، معلنا الخراب والدمار والفوضى والارهاب شعارا لسياسته فى الشرق الأوسط. مما حدا بالقائمين على جائزة نوبل أن يصيبهم الندم والحسرة على منحه جائزة السلام.
قد يسجل لنفسه هذا الأوباما أنه تخلص من تنظيم القاعدة بتصفية زعيمه أسامة بن لادن، لكنه ساهم فى انشاء تنظيم داعش وتمدده ليبتلع الأمن والامان فى العالم باسره، لم نتذكر حسناته بل نحصى له سيئاته، يسجل التاريخ دعمه المباشر لكافة التنظيمات المتطرفة، ومحاولة تجهيزها لتكون البديل الأنسب للأنظمة العربية الحاكمة، ويحسب عليه هجومه العنيف على القاهرة بعد سقوط نظام الاخوان إثر ثورة شعبية عليهم، وهدد بقطع المعونات العسكرية والاقتصادية، لكن نجح المصريون فى الخروج من زمام أحلامه الشيطانية، وبفضل مساعدات الخليج وأسلحة روسيا نجت مصر وخسر أوباما، ويحسب عليه قيامه بتجمع دولى لشن حرب على سوريا لاسقاط نظام الأسد لصالح عصابات متطرفة، لكنه فشل فى قراءة الصراع فى سوريا وذهب هو وبقى الأسد، بل تحالفت عليه روسيا والصين وإيران وفرضوا هيمنة اقتصادية وعسكرية وارادة سياسية فشل فى الفكاك منها. ويحسب عليه أيضا انسحابه العسكرى والدبلوماسى من العراق بعد تدميرها، مسببا فجوة وانهيارا فى الحياة السياسة والاقتصادية ومستنقعا من الصراعات المذهبية والاثنية لاعالم بنهايته، وتركها رهينة لتنظيم داعش المتطرف وهاهى بلاد الرافدين ترفل فى الخراب والفتن والارهاب. سبقتها ليبيا بعد تدمير جيشها واقتصادها ونهب ثراوتها النفطية لتتحول الى جمع من عصابات متناحرة متصارعة على دولة كانت تحتل المركز الثانى عالميا انتاجا للنفط.
ومع توالى سلسلة اخفاقاته .. بدا يلوح فى الأفق نجم الرئيس الروسى فلاديمير بوتن بأداء ضرباته بضم شبه جزيرة القرم التابعة لأوكرانيا بعد اقتراع مجلس النواب الروسى (الدوما)، صحيح تم فرض حصار اقتصادي على روسيا لكنه غير مؤثر، وتتوالى الضربات بهيمنة بوتين على الأوضاع فى سوريا ناشرا قواته بجانب قوات الجيش السورى متمكنا من دحر الميليشيات الإرهابية واجبارها على الانسحاب المذل من حلب، ليتغير الواقع العسكرى والسياسى للأزمة السورية،.. ثمانية أعوام قضاها أوباما فى الحكم ولم يذكر له شيئا ملموسا فى السياسة الخارجية. لم يواجه مثلا المنافسة الاقتصادية الصينية الشرسة لبلاده ولا التدخل الروسى فى سوريا ولاحتى مساندة حلفاء أميركا الأوروبيين فى القارة العجوز.
(لقد جعل أميركا صغيرة ) هكذا قالوا عنه وهكذا ظهر هو للعالم، فقد بدا فى شهوره الأخيرة مرتبكا ضعيفا ساخرا من منتقديه محاولا الانتقام منهم، شاكيا من تجسس وقرصنة واختراق أنظمة معلومات الحزب الديمقراطى، مبررا خسارة هيلارى كلينتون لتدخل روسيا فى الانتخابات الاميركية مؤكدا اخفاقه، فكيف تحدث اختراقات وقرصنة فى عهده، ويزداد ارتباكه بطرد 35 دبلوماسيا روسيا بتهمة التجسس على بلاده وجاءت الصفعة بتجاهل بوتين مستكملا علاقته بالرئيس الأميركى الجديد ترامب.
ثمانية أعوام كان الحليف والصديق لإسرائيل وأسابيع قبل خروجه، انقلب عليها منتقما من نتنياهو موجها له ضربة مؤلمة بعدم اعتراضه على قرار يدينها فى عملياتها الاستيطانية على الأراضى الفلسطينية وتم تمرير القرار والموافقة عليه بأغلبية ساحقة أربكت الادارة الاسرائيلية، مما بات واضحا محاولة نتنياهو الثأر لنفسه خلال تخريب خطة أوباما لخلافة بان كى مون كأمين عام للأمم المتحدة المنتهي ولايته نهاية هذا العام … ذهب اوباما وانتهى عصره، ومازالت الحرائق مشتعلة والحروب مستعرة فى الشرق الأوسط، خسائر فادحة فى اقتصاديات الدول العربية وبناها التحتية، وإرهاب يشل أركانها وفتن تدمر وحدتها وصراعات تنذر بمحو وجودها، ذهب أوباما ورحل ولن يغفر له شعوب المنطقة ما سببه لهم من دمار وخراب تدفع ثمنة أجيال تلو الأجيال، حتى ولو جاء غريمه ترامب ليمحو كل غزواته وكل قرارته وكل تاريخه ……. اذهب أوباما .. فلا ندم
الأربعاء 18 كانون الثاني (يناير) 2017
اذهب أوباما .. فلا ندم
فوزي رمضان
الأربعاء 18 كانون الثاني (يناير) 2017
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
53 /
2473041
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
22 من الزوار الآن