الشعب العربي الفلسطيني الذي عاش الويلات على يد المُحتل «الإسرائيلي» منذ ما يُناهز 67 عاماً، يتمسَّك بحقوقه الوطنية المشروعة أكثر من أي وقتٍ مضى. والتآمر الذي تعرَّض له هذا الشعب على مدى كُل هذه السنوات، لم يُثنه عن مُتابعة الكفاح من أجل رد العدوان، والحفاظ على مقدساته التي تحمُل رمزية وطنية وقومية وإسلامية جامعة.
إبان رعاية الولايات المتحدة للمفاوضات بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل» تزايدت المستوطنات اليهودية على الأراضي الفلسطينية أكثر من 4 أضعاف، ووصل عددها إلى ما يُناهز ال 670 ألف وحدة استيطانية. تلك الوقائع تؤكد من دون أية شكوك التواطؤ الذي مارسته دولة الرعاية، لصالح المُعتدي «الإسرائيلي»، برُغم تأكيدات الرئيس باراك أوباما على معارضة واشنطن لسياسة الاستيطان، ولكن يبدو أن الكلام شيء، والوقائع على الأرض شيءٌ آخر، ولو أرادت الإدارة الأمريكية استخدام الحزم في معارضة الاستيطان «الإسرائيلي» لفعلت ذلك من دون عناء.
الانتفاضة الثالثة الحالية التي فجَّرها الفلسطينيون في وجه الاحتلال ومستوطنيه منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مُستمرَّة، وهي تُقلِق قادة الاحتلال، وتُربِك مؤسسات الدولة المُعتدية برمتها. فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي اتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالإرهاب؛ اعتقد أن الهجمات التي تعرض لها جنوده بالسكاكين، -عندما هاجم المستوطنون المسجد الأقصى- أعمال فردية، ولكنه سرعان ما اكتشف أن أعمال الانتقام الفلسطيني من العدوان، تمدَّدت في كل أنحاء فلسطين، بما في ذلك مشاركة فلسطينيي أراضي العام 1948، وانتقم شبان الانتفاضة الثالثة لدماء محمد أبو خضير الذي قتله المستوطنون في القدس، ولدماء وآلام عائلة الدوابشة التي أحرقها هؤلاء في نابلس.
اتهامات نتنياهو لعباس بالإرهاب، تخفي نوايا «إسرائيلية» خبيثة، فهي من جهة لصرف الأنظار عن ارتكابات قواته الوحشية بحق الفلسطينيين، ومن جهة ثانية للتشويش على الادعاء الذي تقدَّم به عباس أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، موثقاً أبرز جرائم الاحتلال، وأعماله الإرهابية، التي يطالها الحساب الدولي، كون «إسرائيل» قوة احتلال تتحمَّل المسؤولية عن أمن السكان العُزل.
وقلب الوقائع في المنظور «الإسرائيلي» سياسة قديمة، تستنِد إلى مقاربة الزعيم النازي أودلف هتلر؛ الذي كان يقول كرر الكذب ثم كرر، ثم كرر، لا بُد من أن يعلق شيء منه في أذهان الناس. وعلى تلك الخلفية من «اللؤم السياسي» زعم نتنياهو خلال زيارته الأخيرة إلى ألمانيا؛ أن مفتي القدس السابق الحاج أمين الحُسيني، شريك فيما يُسمى المحرقة التي طالت اليهود قبل الحرب العالمية الثانية.
وسط كل هذه التجاوزات «الإسرائيلية» تطالب منظمة التحرير الفلسطينية بتحديد موعد للانسحاب «الإسرائيلي» من الأراضي التي تمَّ الاتفاق على تسليمها للسلطة في أوسلو عام 1994، قبل أن توافق على إعادة التواصُل الأمني مع سلطات الاحتلال.
والسلطة الفلسطينية تطالب بوقف الرعاية الأمريكية للمفاوضات، لأن هذه الرعاية كانت مُنحازةً ل «إسرائيل» خصوصاً من خلال الدور الذي لعبه المُنسِّق السابق للمفاوضات، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق طوني بلير الذي عينته واشنطن في هذه المُهمة، مكافأةً له على دوره المُتعاون إبان احتلال العراق.
الانتفاضة الفلسطينية الثالثة في وجه الاحتلال تتصاعد، لأن النوايا «الإسرائيلية» بالتعرّض للمسجد الأقصى، ومحاولة هدمهِ لم تَعُد سراً. إن السماح للمستوطنين اليهود بالدخول إلى المسجد قبل الظهر من كُل يوم، مقاربة خطرة، تهدُفُ إلى كسر هيبة القُدسية الذي يتمتع بها المسجد. والقرار الفلسطيني واضح بعدم تمكين الاحتلال من تنفيذ مُخططاته العدوانية في القدس. ذلك ما حصل في العام 1987 عندما تصدى شبان فلسطين بالحجارة لجنود الاحتلال والمستوطنين، وكانت الانتفاضة الأولى، وعلى ذات الوتيرة قامت الانتفاضة الثانية عندما دخل الإرهابي أريل شارون إلى المسجد في العام 2000.
إن الإذلال الذي تمارسه قوات الاحتلال بغطاءٍ أمريكي ضد الشعب الفلسطيني، لا يمكن أن يستمرَّ إلى ما لا نهاية. وما قالته صحيفة معاريف «الإسرائيلية» عن التوازن في عدد السكان في فلسطين التاريخية بين اليهود والعرب، فيه شيءٌ من الواقعية، وهو يؤرِق قادة الاحتلال، خصوصاً بعد أن دخل فلسطينيو 1948 شركاء مع أبناء وطنهم في مواجهة سياسة العدوان «الإسرائيلية»، ما يُهدد بحرب أهلية داخل الكيان، لن تكون في صالح «إسرائيل» على ما قالت الصحيفة ذاتها في 2-11-2015.