عندما بدأت الاحداث الدامية في الشام تحت شعارة ثورة التغيير دون مبادئ ومشاريع سوى ما انتجته وصنعته على الارض وكان عنوانها الدموي التدميري الذي بدأ مع الربيع العربي.. ربيع زرعه يباس وشوك وعليّق..
تساءل السوريون في مختلف أقطارهم ما هي هذه الثورة وما هي أهدافها ومن هم قادتها الحقيقيون، لأنّ الأسماء التي ظهرت على الشاشة تحت مسمّيات المعارضة ذكرتنا بخيّال المآته لقد كانوا صورة بلا صوت وبلا وجود وبلا فعل وبعد الأحداث التي جرت على الارض والدمار الذي لحق بالبلاد والعباد والترنيمات التي تغنى بها الاشرار مثال: «درزي وعلوي ع التابوت ومسيحي ع بيروت»… عرفنا فوراً المصدر والمدرسة التي تدرّب فيها الارهابيون الذين جاؤوا الى وطننا وعرفنا من هم الداعمين.. ومصدر الاعمال التي يرتكبونها مذابح وتدميراً باسم الدين..
تذكرنا مناحيم بيغن وكتابه الثورة وبالعبراني كاية الارغون وفيه يقول «ما كانت اسرائيل لتقوم لولا مذبحة دير ياسين»، فالمذابح التي ارتكبها الصهاينة كثيرة حيث عقيدتهم تأمرهم بها…
وعودة إلى التاريخ البعيد، في الزمان القريب، في الإعادة والتكرار تذكرنا التتار وغزوهم لبلادنا والارتكابات التي قاموا بها.. والأتراك ومشانقهم وسبيهم الأحرار وقتلهم كلّ معارض وذبحهم الأرمن وتذكرنا اليهود وبروتوكولاتهم وكما جاء في المجلد الاول لبروتوكولات حكماء صهيون:
«عقيدة هذا الشعب المختار انه يستطيع ان يفسد العالم ويعطله ويخرّبه ليقيم على أنقاضه ملكاً يهودياً داودياً تفرّد بحكم العالم بأسره وما الأمم والشعوب إلا حيوانات متخلفة العقل والذهن والفهم».
ومن خلال هذا كله أصبح بالإمكان فهم ما تطرحه «إسرائيل» لمكانتها في الشرق الأوسط باعتبارها مخفراً متقدّماً للحضارة اليهودية والغربية… محاطة ببحر من البرابرة المسلمين في عالم ما بعد 11 ايلول 2001 باعتبار ذلك عموداً اساسياً من أعمدة الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب..
إذن طرحت «إسرائيل» نفسها كمركز للحضارة اليهودية والغربية محاط ببحر من البرابرة المسلمين، وأصبح بوسع هذا التصوّر بعد 11 أيلول 2001 ان يكون أحد الأركان المهمة التي تقوم عليها حرب اميركا ضدّ الإرهاب.. ولأجل هذا درّبت وجهّزت هؤلاء الثوار…
مؤتمر باريس الذي انعقد مؤخراً لبحث وضع الفلسطينيين وإيجاد حلّ للصراع القائم مع «إسرائيل».. والذي قرّر حلاً يقضي بإقامة دولتين… دولة «إسرائيلية» وهي قائمة حكماً ودولة فلسطينية… هذا المؤتمر كان صورة مقلوبة عن مؤتمر بال في سويسرا 1897 كما كانت تلك المؤامرات ترسم وتنفذ المخططات اليهودية جاء مؤتمر باريس بمثابة فعل متكرّر من المسرحية الدولية..
رفضت «إسرائيل» هذه التوصيات والمقرّرات لمؤتمر باريس اتباعاً للدستور التوراتي الذي يقول: «سيأتي من نسلك ملوك يحكمون حيث تطأ قدم الإنسان الى تلك أعطى كلّ الأرض التي تحت السماء وسوف يحكمون كلّ الأمم حسب رغبتهم وبعد ذلك يسحبون الأرض كلها اليهم ويرثونها الى الأبد».
من أجل ذلك رفضوا كلّ حلّ لهذه المسألة التي أنتجت تشريد شعب بأكمله واحتلال أرضه تحقيقاً لنوايا وأهداف أعلنوها بوضوح منذ القرن التاسع عشر بإقامة دولة يهودية واعتبار فلسطين قاعدتها التي حدودها من الفرات شمالاً الى النيل جنوباً، زاعمين انها موطن «إسرائيل» التاريخي الاول والتي رأوا انها الوسيلة الوحيدة التي تؤدّي الى انتظام اليهود في سلك الأمم الأخرى والتي من أهدافها أيضاً قطع الصلة العربية بين فلسطين وامتدادها المجاور.. فأيّ حلّ يطرح مغايراً لهذه الأهداف ترفضه «إسرائيل» وتتهرّب منه..
ونحن نسأل هل انقلبت الأمور بهذه البساطة.. وأصبح ما يسمّى «حق إسرائيل في فلسطين حقاً مكتسباً»! وأصبح أهل البلاد مشردين تمنح لهم الأمم قسماً من بلادهم كهبة إنسانية لشعب مشرّد تماماً عكس ما كان يجري في الماضي حيث كان اليهود يطالبون بوطن ونالوا وعد بلفور في عام 1917..
وها هم أصحاب الارض مشرّدون ينالون وعداً بوطن ودولة عام 2017.. في مؤتمر باريس ما أشبه اليوم بالأمس.. يردّ اليهود على كلّ هذا متمسكين بما أوصتهم به كتبهم وترجمه قادتهم حيث جاء في سفر يشوع 13212 ما يلي:
«اذا رجعتم ولصقتم ببقية هؤلاء الشعوب اولئك الباقين معكم وصاهرتموهم ودخلتم اليهم وهم اليكم فأعلموا يقيناً انّ الرب إلهكم لا يعود بطرد اولئك الشعوب من امامكم فيكونون لكم فخاً وشركاً وسوطاً على جوانبكم في اعينكم حتى تبيدوا عن تلك الارض..».
ومنذ مؤتمر بال في سويسرا عام 1897 الى يومنا هذا واليهود يحدّدون اهدافهم ويرسمون خطواتهم ويسيرون لتحقيقها بمنهجية واضحة تحت شعار إلهي يقول فيه:
«نحن شعب الله المختار ولن يتوقف الرب من السهر علينا نحن من أنزل علينا الرب المنّ والسلوى ونحن من شق لنا الرب البحر لنسير نحن نمنح ونحن نمنع وهذه أرضنا وهؤلاء عبيدنا وما هم إلا شراذم تجمعها الأوهام والمطامح والمصالح الشخصية..
انا إله كلّ من يأتي من العالم غير أني إليك وحدك أضمّ اسمي فأنا إله اسرائيل.. انّ الرب الممجد يقول لو انني تركت الاسرائيليين كما هم سوف تبتلعهم الوثنية.. اريد ربط اسمي الكبير بهم وسيعيشون به» سفر الثنية 33 29 ..
وفي سفر اشعيا 3.49 الرب يقول:
«انت عبدي يا اسرائيل فأني بك الممجد.. وفي سفر الأعداد 48022 كلّ من يتمرّد على إسرائيل فإنه يتصرف كما لو انه تمرّد على الرب وكلّ من يكره إسرائيل يشبه من يبغض الله.. ولم تخلق السماوات والأرض الا مراعاة لاسرائيل.. من هذا المفهوم تكوّنت العقلية والنفسية اليهودية»…
ونسجل هنا ما قاله رئيس وزراء اسرائيل، ديفيد بن غوريون ترديداً توراتياً «سيأتي من نسلك ملوك ويحكمون حيث تطأ قدم الإنسان إليكم أعطِ كلّ الأرض التي تحت السماء، وسوف يحكمون كلّ الأمم حسب رغبتهم، وبعد ذلك سوف يسحبون الأرض كلها اليهم ويرثونها الى الأبد». هذا هو دستور اسرائيل.
انّ ما جرى ويجري اليوم من فتن في العالم العربي ومن حروب واقتتال قسّم الأمة وجزّأ عناصرها وزاد في ويلاتها ما هو إلا ترجمة لما قاله بن غوريون قبل قيام «إسرائيل» إذ حدد ثلاثة عناصر لضمان سلامة وديمومة وأمن هذه الدولة:
«1 ـ علاقات متينة مع الدول القوية التي تؤمّن الحماية الدائمة لإسرائيل مقابل أن تضمن إسرائيل مصالح هذه الدول.
2 ـ تكوين جيش قوي يضمن الحماية لدولة إسرائيل من أيّ خطر يتهدّدها.
3 ـ العمل على تفتيت الدول المجاورة وخلق دويلات طائفية صغيرة حول إسرائيل، وإذا ما حققنا ذلك نضمن أمننا وسلامنا إلى الأبد».
وقد تمّ تحقيق كلّ ذلك وتنفيذه.
وتأكيداً لهذا النهج الاستراتيجي الذي يشكل العمود الفقري في هيكلية بناء «الوطن القومي اليهودي، التلمودي الروح والدم»، نذكر ما عرضه «كتاب إسرائيل وصدام الحضارات» تأليف جوناثان كوك ترجمة عمر عدس ونشرته صحيفة الخليج الإماراتية في 20-7-2008 ليتضح لنا ما سبق وذكرناه عن المستقبل الذي رسمه اليهود الصهاينة لدولتهم ونواياهم تجاه شعوبنا وأرضنا، وتوضح معالم الأحداث التي نشهدها الآن في سورية وبقية الدول العربية هذه النوايا والمخططات وفق المنهج الذي ذكره بن غوريون انّ معظم قادة كيانات هذه الأمة ضالعون بغباء أو عمالة في تنفيذ هذا المخطط ولعله قدرنا ان تكون الحجاز او السعودية مفتاح الأذى والنكبات لأمتنا منذ عهد أشراف مكة الى عهد حماة الحرمين.
انّ الأحداث المرعبة التي تجري في سورية من قتل وذبح وتدمير وهدر للقيم وقلب للمفاهيم الدينية والقومية والأعمال الإجرامية بإسم الدين، وما جرى في لبنان من تفجيرات في الضاحية الجنوبية لبيروت وطرابلس من أعمال إرهاب، كله جزء من هذا المخطط، تأمّلوا هذا لا صوت ولا طلقة في اتجاه «إسرائيل» ولحماية المسجد الأقصى فيما المليارات الخليجية تصرف بسخاء من أجل تدمير ما تبقى من إمكانيات هذه الامة..
ومخطط «إسرائيل» يتعارض كلياً مع مؤتمر باريس، فهي لا تريد حلاً للمسألة الفلسطينية، هي تناور عندما تتحدّث عن المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، ولها أفكار مسبقة تريد تنفيذها.. فالمؤسسة الأمنية «الاسرائيلية» تؤمن بأنّ هيمنة «إسرائيل» الاقليمية، وسيطرة الولايات المتحدة على النفط، يمكن تحقيقهما بالطريقة ذاتها، أيّ من خلال إحداث كارثة في الشرق الاوسط، على هيئة انهيار اجتماعي، وسلسلة من الحروب الأهلية وتجزئة الدول العربية.
ومن هنا يمكن معرفة كيف قامت ما سمّيت «ثورة» في الشام والعراق…