يتجلى ضعف وهشاشة الموقف العربي، في غياب المبادرة والفعل، والاقتصار فقط على ردة الفعل، وكأنهم سلموا الراية، وارتضوا أن يقبعوا في مربع فاقدي الإرادة. وبكلام أكثر تحديدا ووضوحا، لا تجد موقفا واحدا موحدا للأنظمة العربية في كثير من القضايا الخطيرة، أو بالاحرى الزلازل، التي تضرب الوطن العربي من أقصاه الى أدناه ... بل على العكس من ذلك، نجد مواقف متضاربة، متناقضة، متصارعة، وقد توزعت الأمة على محاور متنابذة، متقاتلة، ينهش بعضها لحم بعض سرا، وقد نسوا، أو تناسوا بأنهم أمة واحدة، مدحها الله تعالى في قران يتلى “كنتم خير أمة أخرجت للناس” ... مصيرهم واحد، ومستقبلهم واحد، ولن يكون مصير من فرط بالاخرين الا كمصير الثور الأسود الذي فرط باخويه الأحمر والأبيض، فنال بعد ذلك عقابا مضاعفا، جزاء وفاقا لحماقته وحقده وغدره ... كما تقول الحكاية.
الأنظمة العربية كما يقول التاريخ القريب -الذي لا يكذب- لم تختلف على الربيع العربي، بل اختلفت قبله، واختلفت حوله، وبعده، ولم تكتف باتخاذ مواقف متعارضة، بل توزعت على خنادق متقاتلة إزاء الأعاصير والحروب القذرة التي ضربت ولا تزال تضرب سوريا وليبيا والعراق واليمن ... الخ، وحولت الأقطار الشقيقة إلى ساحات موت وتدمير بفعل الفوضى المدمرة، وأدواتها الخوارج المجرمين، الذين زرعتهم أميركا في المنطقة، لإعادة تقسيمها، وفرض سيطرة العدو الصهيوني عليها، وكان الدم العربي هو الأرخص، والأمة كلها هي المتضررة، وأعداؤها هم المستفيدون.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصلت الخلافات إلى الموقف من القضية الفلسطينية، وهي القضية المعروف عنها أنها توحد الأمة، وتجمعها في صف واحد، وخندق واحد، لعدالتها، وقدسيتها، ولخطورة المشروع الصهيوني على الأمة كلها. ألم تكن الأمة كلها بكافة أنظمتها، وفي كافة حروبها مع العدو الصهيوني يدا واحدة، وصفا واحدا ؟؟
ألم تصهر حرب العبور ... حرب 1973 الأمة كلها جيوشا ومقدرات ونفطا، في بوتقة واحدة، فمرغت غطرسة العدو في رمال سيناء، وهبت واشنطن لنجدته بجسر عسكري على مدار الساعة يحمل الدبابات وأحدث الأسلحة، ولولا سياسة السادات الذي طعن النصر المؤزر ... فحول الحرب، من حرب تحرير إلى حرب تحريك، لتغير وجه التاريخ.
وبوضع النقاط على الحروف، وبتشخيص بسيط، نجد أن المرض الذي ضرب الأمة وأفقدها مناعتها هو: معاهدة “كامب ديفيد” ... خاصة بعد أن فرخت معاهدات واتفاقيات فتحت أوتستراد التطبيع مع العدو الصهيوني، ليفرخ العملاء والجواسيس والفاسدين والمفسدين .
لقد اغتال فيروس “كامب ديفيد” الأمن القومي العربي، لينفرط العقد، وتعلو أسوار الإقليمية والقطرية، بعد أن قطع الرابط القومي المنيع، الذي أعطى الأمة القوة والمنعة والحلم والأمل، كما تجلت صورتها العظيمة بكل كبرياء وعنفوان في حرب 73.
الأمة تمر اليوم في أسوا حالاتها، فهي لم تعد تملك من أمرها شيئا، وبات دورها يقتصرعلى ردة الفعل، بعد ان سلمت الراية لأميركا، فتكاثر الطامعون من الدول الإقليمية الذين ينتظرون موتها، واقتسام تركة الرجل المريض.
باختصار ....
الانهيار مستمر ... والقادم أخطر ... ما دامت الأمة مغيبة، ودورها مغيب، وقد استبدلت الفعل ... بردة الفعل، وانزوت في مربع اللارادة والإحباط، بعد تسليم الراية والقرار للاخرين.
الأربعاء 15 آذار (مارس) 2017
تسليم الراية
رشيد حسن
الأربعاء 15 آذار (مارس) 2017
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
17 /
2473041
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
22 من الزوار الآن