] الرداءة السياسية.. و”فسيخ أبو الدولة” - [طُوفانُ الأَقصى]
الأحد 29 كانون الثاني (يناير) 2017

الرداءة السياسية.. و”فسيخ أبو الدولة”

فايز رشيد
الأحد 29 كانون الثاني (يناير) 2017

ليعذرني القارىء الكريم ع على مقاربتي هذه, بين الأوضاع السياسية الراهنة , وبين حوادث قد تبدو تندرية في ظاهرها, لكنها في صميمها وبالمعاني بين سطورها, تدعو إلى الألم حد البكاء المرّ, في عالم المتغيرات السياسية السريعة, التي يحاولون فرضها على منطقتنا وعالمنا العربي, ودورنا فيها هو عبارة عن دور المتلقي للحدث, على قاعدة المسيح عليه السلام:” من ضربك على خدك الأيمن, فأدر له الأيسر”!. هذا بالرغم من الإمكانيات الهائلة لأمتنا العربية, للفعل الجدي في الحدث والتأثير فيه إيجابا, وإجبار الآخر على الانصياع لما نريد. ومع الإدراك التام لطبيعة رداءة الوضعين الفلسطيني والعربي حاليا, إن بالافتقاد الرغبوي المقصود لأدنى حدود التنسيق ( وليس الوحدة ,التي نشأ جيلنا على حلم تحقيقها واقعا), أو بإدراك إحدى حقائق العصر الحالي, وفحواها, أن لا مكان في عالمنا للضعيف لفرض رؤيته على مسار الحدث, الذي هو ليس أكثر من مصيدة لإيقاعه في شباكها.
وحتى لا أطيل عنصر التشويق لدى لقارىء العزيز, حول ما جاء في العنوان عن “الفسيخ”, فمعروف, أن هذه المادة لا تتلف سريعا, لكونها تُحفظ في سائل ملحي شديد التركيز( ولابد أن البعض منكم تناولها, وأحس كم يحتاج الإنسان بعد أكلها إلى ماء يشربه, تقدرّ – وبلا مبالغة- تقدر ببرميل يوميا على مدار أسبوع). أصل الحكاية, أن أحد فقراء مدينتي قلقيلية وفي خمسينيات القرن الزمني الماضي, ونظرا لسلب بيارات أهالي المدينة من قبل العدو الصهيوني عام 1948, التي كانت مصدرا لمداخيلهم, راج أكل “الفسيخ” كمادة غذائية رئيسية. اختصارا, مما أدى بكل بائعي الدكاكين إلى اقتناء هذه السلعة الشديدة الأهمية حينها, كان الفسيخ ممتاز الجود, إلا عند قليل الحظ “أبو الدولة”, فالسلعة لديه دوما مهترئة! ما إن تشتريها وتضعها في المقلاة مع الزيت, حتى تبدأ بالتفسخ!. للأسف, يكرر التاريخ نفسه في زمننا, ولكن على شكل مآس ومهازل ومسخرة سياسية (وفقا للمقولة الفلسفية), تعيشها ظواهر كثيرة في عالمنا العربي, والأصغر الفلسطيني! بدءا من جماعات منتظمة في إطارات حزبية عربية, وصولا إلى من يدّعون الزعامة, وهي منهم براء, كما أفراد عديدين, حصروا مهمتهم بالرقص لزعمائهم, تحسب هياكلهم, وفقما يصورون, وكأن جحافلهم على أبواب تل أبيب! وعندما تبحث في حقيقتهم, تتيقن تماما, أنهم مثل “فسيخ أبو الدولة”!.
دليلي ,على صحة ما أقول, هذه الانكسارات الفلسطينية والعربية الكثيرة, التي نعايشها!. بالتأكيد, لها أسبابها الذاتية أيضا, بعيدا عن موضوعية المؤامرة. نسأل والحالة هذه, وما هو دوركم أنتم في مجابهة المؤامرات, التي لم يتوقفوا يوما عن نسجها ضد شعوب أمتنا؟. خذ مثلا : اجتماعات للتحضير لانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني بقوام انتخابي جديد للأعضاء (وفقما أمكن ذلك), واتفاق على إنجاز مصالحة (أصبح الحديث حول إجرائها ممجوجا), واجتماعات في موسكو مع مدير معهد الاستشراق فيتالي نؤومكين, وسيرجي لافروف وزير الخارجية, والاتفاق على أهمية تحقيق المصالحة,على طريق الوحدة الوطنية, كشرط رئيسي للانتصار. في اليوم التالي مباشرة, تصدر محكمة عسكرية تابعة لحركة حماس( وكأنها في دولة مستقلة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة) سلسلة أحكام متفاوتة بحق 8 من حركة فتح، متهمة إياهم بـ “النيل من الوحدة الثورية”!. (أرجوكم فسروا لي معنى التهمة!). لقد حكم على ثلاثة من المدانين بالسجن المؤبد, بينما تتراوح الأحكام الصادرة على الآخرين بين سبع سنوات و 15 سنة, وجميعهم من فتح. نسأل, بالله عليكم, اين هي الوحدة أساسا ,حتى تكون ثورية أو رجعية؟.
الوضع الرسمي العربي في معظمه, ليس بأفضل حالا! الكل مترقب لموقف ترامب من دولته, والخوف من إحراجه بنقل السفارة الأميركية إلى القدس!. فمن جهة يصرح المسؤول الفلسطيني عزام الأحمد, في الصباح, “بأن السلطة تلقت إشارات مطمئنة لتراجع ترامب عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة”, وفي المساء, ينفي حسام زملط, مستشار الرئيس محمود عباس للشؤون الاستراتيجية, الأمر, جملة وتفصيلا!. أرأيتم أي تضارب هذا؟. للعلم, بالنسبة لردود الفعل المتوجب أخذها فلسطينيا وعربيا, لمواجهة سياسات ترامب وإدارته المتصهينة في فلسطين وعموم المنطقة العربية, فلا ينفع معها لا التوسل ولا التسول !.
إننا بحاجة كفلسطينيين إلى مراجعة شاملة لكل ما جرى, منذ اتفاقيات أوسلو الكارثية المشؤومة وحتى اللحظة, إن بإنهاء الإنقسام, أو سحب الاعتراف بإسرائيل, ووقف التنسيق الأمني معها , وإلى إحياء مؤسسات م. ت. ف, على القاعدة والنهج القادرين على انتزاع حقوقنا من براثن العدو, من خلال المقاومة بكافة أشكالها, وأبرزها الكفاح المسلح. في هذه الحالة لن يستطيع أحدٌ, عربيا كان, أم دوليا, تجاوزنا. سنشكل حينها بؤرة لاستقطاب الجماهير العربية, لتدور في فلك هذه البؤرة. أما عربيا, فبإمكان النظام الرسمي العربي, رغم خلافاته وتناقضاته, مجابهة سياسات ترامب بالعديد من الخيارات السياسية, الاقتصادية وبالأخص التجارية. ترامب في النهاية, ليس قَدَراً مفروضا علينا, وبالإمكان مجابهته لو توفرت الإرادة, فهل تتوفر؟.
بالنسبة للوضع الحزبي العربي, فهو ليس بأفضل حالٍ في معظمه من الوضع الرسمي, يصورون لك, أنهم يقيمون الأرض ولا يقعدونها, ويتحدثون عن حرثهم لقواعدهم الجماهيرية , وعن الاستقطاب الهائل, الذي يحققونه, وكيف يصطف الراغبون في الدخول إلى هياكلهم في صفوف طويلة, تذكرك بصفوف طوابير موسكو أيام الاتحد السوفييتي, والتي كانت تمتد بضعة كيلومترات انتظارا لقنينة عطر فرنسية, لتكتشف أن المنفضّين عنهم, أضعاف أضعاف الداخلين إلى صفوفهم! وتلومونني على تشبيه الأوضاع العربية والفلسطينية برمتها يـ “فسيخ أبو الدولة”. رحم الله هذا الإنسان القلقيلي الأصيل, الذي كافح طويلا من أجل إيصال عائلته إلى بر الأمان… وقد حصل.


الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2484496

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام   wikipedia    |    titre sites syndiques OPML   OPML

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC

Creative Commons License

35 من الزوار الآن

تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة لصوت الانتفاضة وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010