استبشرت جماهير شعبنا وأصدقاء قضيتنا خيراً، بنتائج اجتماع اللجنة التحضيرية للفصائل الفلسطينية في بيروت، للإعداد لانعقاد المجلس الوطني بقوام جديد، كما اجتماعات الفصائل الفلسطينية في موسكو من أجل تجاوز الانقسام. ذهب البعض بعيداً في تفاؤله حد توقع تشكيل حكومة وفاق وطني فلسطينية خلال 48 ساعة، من انتهاء اجتماع العاصمة اللبنانية.
المفاجأة المذهلة التي نسفت وتنسف كل التوقعات الإيجابية، إصدار محكمة عسكرية تابعة لحركة حماس (وكأنها في دولة مستقلة ذات سيادة) سلسلة أحكام متفاوتة بحق 8 من حركة فتح، متهمة إياهم ب «النيل من الوحدة الثورية»!. لقد حكم على ثلاثة من المدانين بالسجن المؤبد، بينما تتراوح الأحكام الصادرة على الآخرين، بين سبع سنوات و15 سنة.
ما معنى تهمة «النيل من الوحدة الثورية»؟. نتساءل، هل هناك وحدة في الأساس، حتى يجري تقييمها بأنها ثورية أو رجعية؟ وهل التخابر من قبل كوادر في حركة فتح مع تنظيمهم الأم يعتبر تخابراً مع عدو؟ وهل الأحكام التي أصدرتها جوقة من الضباط العسكريين تتناسب وحجم التهمة الموجهة إليهم؟ وقبل كل شيء، هل تختلف حركة حماس في تهدئتها الطويلة الأمد مع الكيان الصهيوني، عن السلطة الفلسطينية بزعامة «فتح»،التي ما زالت متمسكة بالمفاوضات كخيار استراتيجي وحيد مع الكيان الصهيوني؟ الذي يؤكد قادته صباحاً ومساءً، بأن لا دولة غير دولته ستقام بين النهر والبحر، وأن «أورشليم» هي عاصمته الأبدية والموحّدة، ويمضي في اغتيالاته واعتقالاته وقمعه اليومي لأبناء شعبنا ويمضي قدماً في استيطانه وتهويده للمدينة المقدسة.
لا مصالحة فلسطينية ستتم، لا الآن، ولا على المدى القريب المنظور، حتى ولو قام ترامب بنقل سفارته في الكيان إلى القدس! فلكل من السلطتين المحتلتين فعلياً مشروعها السياسي، فالسلطة في رام الله رهنت مشروعها بالحل السياسي التفاوضي، والسلطة في غزة مرهونة بقرار التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
إن اجتماعات عديدة جرت بين الحركتين في القاهرة وعواصم عربية أخرى، انضمت موسكو إلى القائمة مؤخراً، للوصول إلى المصالحة. لكن للأسف، لم ير الشعب الفلسطيني ولا أمتنا العربية أية خطوات فعلية من الحركتين باتجاه التطبيق العملي للخطوات، التي يجري بحثها والاتفاق عليها.
الغريب، أن قادة الطرفين ينظّرون ويصرّحون ويتبارون في استعمال الجمل المؤثرة والعاطفية في (التغزّل) بأهمية المصالحة، لكن التصريحات تنطبق على المثل القائل: «نسمع جعجعةً ولا نرى طحناً». هذا الوضع أدى بجماهيرنا الفلسطينية والعربية إلى اليأس من إمكانية عودة الوحدة الوطنية إلى الساحة الفلسطينية لأن أية مباحثات بين الجانبين، هي من قبيل «رفع العتب»، وليس من أجل الوصول إلى اتفاق حقيقي!
الطرفان للأسف لا يدركان واقع الساحة الفلسطينية واستحقاقاتها، ولا طبيعة المرحلة الخطرة التي تمر بها القضية والمشروع الوطني الفلسطيني، ولا الأخطار الصهيونية المحدقة بنا وعموم قضيتنا. ويخطئ من يظن أن الكيان لن يقوم بجولة جديدة من العدوان على غزة، فعدوان نوفمبر/تشرين الثاني 2012 لم يكن سوى جولة أولى في الصراع. لن تسمح عقلية الصلف والعنجهية وعقدة التفوق الصهيونية للمقاومة الفلسطينية بامتلاك صواريخ تهدد المدن الصهيونية في فلسطين المحتلة. قطاع غزة ليس جنوب لبنان، فهو أرض منبسطة دون جبال وتلال، وكل ما على هذه الجغرافيا من أبنية مكشوف. لا نقول ذلك من أجل التهويل، ولكن من إدراك كامل لعقلية هذا العدو وطبيعة المتغيرات في داخله. إدراك هذه المخاطر، إضافة إلى ما تخططه الولايات المتحدة والدوائر الغربية عموماً، للمنطقة، يقتضي توجيه كل قوى المقاومة في أجزاء الوطن نحو هدف واحد، مقاومة الكيان ومخططاته الفاشية، وهذا لن يتأتى إلا بتجاوز الانقسام الفلسطيني. إدراك هذه المخاطر أيضاً، يسهّل وصول الساحة الفلسطينية إلى برنامج القواسم المشتركة، وإلى مراجعة ومحاسبة المرحلة الماضية منذ اتفاقيات أوسلو وحتى الآن، بكل أخطائها وخطاياها، وإلى وضع أسس كفيلة لإسقاط المشروع الصهيوني، كما يعمل على بلورة استراتيجية فلسطينية تتماهى خطوطها مع استحقاقات المرحلة، على ضوء المتغيرات السريعة البروز في الصراع مع العدو الصهيوني، وعلى إمكانية حشد شعبي عربي مؤيد للاستراتيجية الفلسطينية، لتكون أيضاً متبناة عربياً. لكن للأسف، لم ولن يتم إدراك كل ما سبق.
عظم الله أجركم وأجرنا جميعاً بالمصالحة ومشاريعها.!!
الثلاثاء 31 كانون الثاني (يناير) 2017
جدلية المصالحة وعبثيتها
د. فايز رشيد
الثلاثاء 31 كانون الثاني (يناير) 2017
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
17 /
2473041
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
24 من الزوار الآن