مفارقة عجيبة غريبة، لا يستسيغها عقل، ولا يجيزها منطق، ولا تجد لها مثيلا في كل البلاد التي ابتليت بالاستعمار، ونعني أن يتحول الاحتلال الصهيوني للارض الفلسطينية الى احتلال “ديلوكس” أو بالاحرى “قمرة وربيع” ...!! كما نقول بالمثل الشعبي. هذه الحقيقة ليست من عندياتنا، ولكنها شهادة واعتراف من قادة العدو، وبالاخص قادة الاجهزة الامنية المعنية بالدرجة الاولى بمكافحة المقاومة ... جهاز “الشين بيت”، اذ أكد رئيسه الجنرال السابق ديسكويين، وأمام أرقى منتدى سياسي صهيوني في هرتسيليا “بأن الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية ... احتلال ديلوكس” بعكس كافة الاحتلالات عبر التاريخ، اذ تنقلب الارض تحت اقدام المحتلين الى نار تحرقهم وتزلزل وجودهم، وتجبرهم على الانسحاب، بعد ان يدفعوا دما غاليا.
هذا الاحتلال تحول الى احتلال مربح، نافع، مجدي للعدو وعلى كافة الاصعدة، وخاصة على الصعيد الاقتصادي، وقد تحولت الضفة الغربية وغزة الى أكبر سوق استهلاكية لمنتوجات العدو، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تحولت أيضا الى جسر للتطبيع، وللتصدير الى الدول العربية والاسلامية، وبقية أقطار العالم، بعد ان يجري تزوير بطاقات بلد المنشأ، بحذف كلمة “اسرائيل” وكتابة اسم أخر.
من المؤسف ان القيادة الفلسطينية، وازاء هذا الواقع اللامعقول لم تقم بمراجعة مواقفها وسياساتها واستراتجيتها من عملية السلام، بعد فشل الأخيرة في ظل استمرار الاستيطان ... ولا تزال تصرعلى خيار المفاوضات، والجري المتواصل في ميدان هذا العبث، وقد تخلت عن اهم اسلحتها وهو سلاح المقاومة، رغم أن العدو يعلن كل يوم، وفي كل مناسبة، انه مستمر في الاستيطان والتهويد واستباحة الاقصى، وانه لن يعيد شبرا واحدا من الارض الفلسطينية للشعب الفلسطيني، فهذه “ارض اسرائيل” من البحر الى النهر. كما يدعي الارهابي نتنياهو في كتابه “مكان تحت الشمس”.
السبب وراء وقاحة نتنياهو هذه، واصراره على تنفيذ مخططاته الفاشية، رغم تنديد مجلس الامن الاخير، هو عدم وجود مقاومة منظمة فاعلة في الارض المحتلة، قادرة على ان تحيق بقواته افدح الخسائر، وتحيل ايامه ولياليه الى كوابيس قاتلة تجبره على الانسحاب من الارض المحتلة، كما اجبرت المقاومة اللبنانية سلفه يهودا باراك على الانسحاب من جنوب لبنان، يجر اذيال الهزيمة والخيبة والذل، في ليلة بدون قمر، بعد ان تكبد جيشه خسائر باهظه، وفقد خيرة ضباطه، وغرق في مستنقع الهزيمة، بعد ان كان الجيش الذي لا يقهر، وهو ما يسجل للمقاومة اللبنانية، وبمثابة رسالة للقيادة الفلسطينية، بان تعيد النظر في سياستها، وتعود لاشعال المقاومة اذا ارادت فعلا تحرير البلاد والمقدسات.
فما دام الصهاينة يسرحون ويمرحون في فلسطين كل فلسطين مطمئنين ... امنيين، فلن ينسحبوا من شبر واحد، فالاوطان لا تهدى ولا تباع، وانما تحرر بالنجيع الطاهر. واذا كان المجال لا يتسع لضرب الامثال، فلا بأس من الاستشهاد بمثال واحد، وهو المقاومة الفيتنامية ... فهذه المقاومة العظيمة هزمت باسلحتها البسيطة والبدائية، أكبر وأغنى وأقوى إمبراطورية في التاريخ شر هزيمة، واجبرتها على الانسحاب المذل المخزي، اذ اضطر سفيرها الى الهروب من على سطح السفارة بطائرة هليوكبتر.
العدو الصهيوني لا يفهم الا لغة واحدة هي لغة المقاومة، هذا ما اثبتته الوقائع والاحداث خلال قرن من الصراع الدموي مع هذه العصابات الاجرامية الخارجة من كهوف الظلام وظلام الاساطير. ومن هنا فلن ينسحب العدو الصهيوني من فلسطين المحتلة، والتي يعتبرها “ارض اسرائيل” الا بالمقاومة ... المقاومة الشرسة التي تدميه وتوقع فيه أشد الخسائر، فيضطر الى الهروب، بعد ان يصبح وجوده مهددا بالزوال ... فهو احتلال احلالي استئصالي، يرفض الاعتراف او القبول بالشعب الفلسطيني.
باختصار ...
حينما يتحول الاحتلال الى احتلال مكلف دام ... وحينما تشتعل الارض تحت اقدام الصهاينة، وتخرج التوابيت مجللة بالسواد من المستعمرات يوميا حينها ... وحينها فقط ... يهرب الصهاينة من فلسطين ... ولا نقول ينسحبون ... وسوى ذلك ضرب من الاوهام.
الثلاثاء 24 كانون الثاني (يناير) 2017
«احتلال ديلوكس»
رشيد حسن
الثلاثاء 24 كانون الثاني (يناير) 2017
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
16 /
2473041
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
23 من الزوار الآن