لغسان كنفاني قصة بعنوان «الخراف المصلوبة» عن بدوي يقف في شمس الربع الخالي ينتظر أحداً يمر ليطلب منه ماء لخرافه العطشى. طال به الانتظار، حتى أتت قافلة من سيارات الحجاج، ولكن من فيها رفضوا عونه بحجة أن الطريق طويل وسياراتهم تحتاج للماء، لذا لا يمكنهم التفريط بنقطة ماء مما لديهم.
لم يستطع البدوي المخذول أن يفهم كيف تكون السيارات أهم من الخراف.
قال غسان عن تلك القصة إنها تدور حول الخذلان، حين تحل على المرء لحظة يجد أن ما نشأ عليه من قيم وُمثل ينهار فجأة أمام عينيه.
شيء من إمعان النظر في أدب وسيرة غسان كنفاني يرينا أن موضوعات الخذلان هذه استأثرت باهتمامه، وهو أمر بسطته دراسة قديمة للدكتور عبدالرحمن ياغي في حياة وأدب غسان، فقبل كتابته هذه القصة بالذات تحدث عن رغبته في كتابة قصة عن إنسان فرد، تدور فكرتها في رأسه منذ زمن بعيد، وموضوعها سيكون الخذلان.
وفي رسالة كتبها إلى امرأة يحبها قال: «إن الغضب شيء يذهب، أما الخذلان فيبقى.
الخذلان لا يذهب، الخذلان الذي يصنعه الإنسان بيديه ينمو حتى يصبح غولاً». في مكانٍ ما وصف غسان نفسه بأنه إنسان مخذول، لكن علينا ألا نأخذ هذا القول على محمل الجد، أو بالأحرى لا نأخذه في معناه الحرفي، فكل سيرته النضالية والإبداعية في حياته القصيرة كانت نضالاً ضد الخذلان، إنْ في صورته الفردية، أوفي صورة الخذلان الجماعي حين ينال من شعبٍ أو أمة أو جماعة.
وعلى سيرة حياته القصيرة يجدر بنا الوقوف أمام الرثاء الذي كتبه غسان عن ألبير كامو لحظة رحيله في عام 1960، حيث قال: «على كامو أن يقنع بحياة عاشها عريضة، وإن لم يستطع أن يجعلها طويلة». أكانت تلك نبوءة من غسان عن مصيره هو نفسه، حيث استشهد باكراً مخلفاً وراءه حياة عريضة، ما انفككنا نعب من دروسها وثرائها الشيء الكثير: في النضال وفي الإبداع وفي الحب.
هذه الحياة العريضة بمجملها كانت كفاحاً لا هوادة فيه ضد الخذلان، ومن أجل أن تظل جذوة الأمل مشتعلة، لا في نفسه وحدها، وإنما في نفوس من هم حواليه، وفي صفوف أبناء شعبه الذين كان يناضل معهم.
في رده على رسالة لصديقٍ له هاجر إلى أمريكا، تحدث غسان عن لمحة استسلام شعر بها بين سطور رسالته، فكتب له: «تريد أن تنسحب؟ لماذا؟ لأنك بعيد؟ المسافة لا قيمة لها لمن يعيش في لحظة الشروق. صدقني أن الانسحاب أصعب كثيراً من التحدي. لقد حُكم علينا بألا ننسحب».
الخميس 16 شباط (فبراير) 2017
ضد الخذلان
د. حسن مدن
الخميس 16 شباط (فبراير) 2017
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
27 /
2484496
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
35 من الزوار الآن