كان من الأجدى لو أن طبيباً نفسياً أو عالماً اجتماعياً، تولى عقد أوجه الشبه بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، نظراً لما يحتاجه مثل هذا التشخيص من أدوات تحليل نفسي، وخبرات علمية مكتسبة، تساعد في كشف بواطن التماثل الشخصي بين هذين الرجلين اللذين يبدوان وكأنهما من طينة واحدة، تمّ صبها في بوتقتين متطابقتين إلى أبعد الحدود.
ولمّا كنا نفتقر إلى مثل هذا الطبيب النفسي، المهتم جزئياً بالسياسة، فسوف نعتمد على عين المراقب الصحفي وحسه، لالتقاط العناصر المشتركة بين اثنين من أكثر المسؤولين تأثيراً في حياة شعوب هذه المنطقة؛ ترامب المتربع على عرش القوة الأعظم في العالم، ونتنياهو القابض على مفاتيح إحدى أهم القوى الإقليمية في الشرق الأوسط.
على هذه الخلفية المتشكلة عبر القراءات المكثفة، يمكن القول بقدر قليل من المبالغة، إن ترامب ونتنياهو وجهان لعملة واحدة، يتشاركان في صفات الغرور والاستعلاء، ويتشاطران جنون العظمة وسكرة القوة؛ ولدى كل منهما ميول يمينية تشوبها الكثير من مظاهر العنصرية والفاشية، ويتحدثان بروح "أسبارطية" تجاه الخصوم والأعداء، ولا يتورعان عن الظهور بمظهر المخلّص، رسول العناية الإلهية، المنقذ من شرور ما يسميانه "الإرهاب الإسلامي".
الاثنان جائعان للسلطة بصورة مفرطة، ولديهما سجل حافل بالكذب والتضليل واللغة المزدوجة؛ وعندهما كراهية عمياء للمهاجرين واللاجئين والأقليات العرقية، وهما لا يحبان أن يريا الحقائق كما هي، وأقوالهما لا تمت إلى الواقع بصلة، ومستعدان لقول أي شيء يستقطب ناخبيهما المتطرفين على يمين الخريطة السياسية، ويتظاهران كل على حدة برجولة زائدة، أو قل فحولة سياسية لا تنطلي حتى على أقرب مساعديهما، فما بالك حين يتجلى هذا المظهر المبالغ به أمام أعين الإعلام والرأي العام؟
ومع أن عهد ترامب في الحكم ما يزال في بداياته، إلا أن الرئيس الأميركي حقق في غضون ثمانية أسابيع فائتة، ما يوازي كل ما صنعه نتنياهو في سنواته الثماني الماضية. إذ يبني الأول في وقت قياسي، ما بناه الثاني على مهل، من قصص بطولة دونكيشوتية، ومعارك وهمية ما تزال قيد الإعداد، سواء ضد "داعش" أو ضد الجمهورية الإسلامية، الأمر الذي بدوا فيه هاذيين أيديولوجيين ومهووسين، وكأنهما يقرآن من نص خطاب ديماغوجي واحد.
وبالتدقيق أكثر في شخصية كل من ترامب ونتنياهو، نجدهما يعبّران بلغة الجسد عن مكنونات نفسيهما المشوهة، ويرفعان من وتيرة الصوت ضد كل من يتجرأ على الاختلاف معهما؛ يقعان في الفضائح بسهولة ويهربان إلى الأمام بسرعة. كما إنهما يلفقان التهم بأقسى العبارات، ويكثران من توجيه سهام النقد اللاذع، والهجوم بفظاظة على خصومهما، حتى من أهل الدار، ومن الحلفاء وغيرهم، خصوصاً رجال الإعلام والقضاء والاستخبارات.
ولعل من المثير حقاً أن ترامب ونتنياهو، اللذان يعانيان من ملاحقات قضائية، وشبهات مشينة، وتحقيقات مختلفة، مرتبطان بعلاقة غامضة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويراهنان على صداقة ملتبسة مع شخصية من إنتاج الـ"كيه جي بي" تثير الارتياب والشبهات وحفيظة الكونغرس ومجتمع الاستخبارات. وهي علاقة قد تحسّن من مكانة نتنياهو السياسية، إلا أنها قد تؤدي في نهاية مطاف لن يطول كثيراً بالرئيس الأميركي المطارد من قبل لجان التحقيق والمحاكم الفدرالية، إلى مواجهة تهمة لا سابق لها في تاريخ العلاقات الأميركية الروسية.
ولا يفوت أصحاب الذاكرة القوية حقيقة أن ترامب ونتنياهو، نجحا رغم استطلاعات الرأي التي أجمعت على فوز منافسيهما، وحقق هذان المغرمان بالتآمر، المفاجأة الصادمة، مع أن أيا منهما لا يمتلك الرؤية الاستشرافية ولا الشجاعة السياسية أو الكارزمية، ولا القدرة على التسامي عن الخلافات الصغيرة في محيطيهما.
بذلك، فإن ترامب ونتنياهو يجدان، كل منهما في الآخر، شريكاً مثالياً في الحلبة نفسها، وربما السلوى في حد ذاتها. فالاثنان أنانيان بالفطرة، ومنغمسان في ذواتهما الشخصية المتضخمة، ومتخبطان ومتناقضان، وغارقان في الأوهام التي يجدان فيها منطقة راحة نفسية، رغم أن كلا منهما يقف على مشارف بداية النهاية، مع استمرار التحقيقات القضائية، بتهم الفساد مع نتنياهو، وشبهة تورط ترامب مع روسيا خلال الحملة الانتخابية.
الثلاثاء 7 آذار (مارس) 2017
أوجه الشبه بين ترامب ونتنياهو
عيسى الشعيبي
الثلاثاء 7 آذار (مارس) 2017
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
11 /
2484496
ar أقلام wikipedia | OPML OPML
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
31 من الزوار الآن